ليس للفساد مظهر معين ولا مجال ولا وجه واحد يمكن أن ينحصر فيه بل هو داء عضال مركب ومتشعب ومتشكل في عدة صور وأشكال وألوان لا حدود لها؛ تصاب به الأمم أو الشعوب أو الدول في مراحل ضعفها وانحدارها في طريق الافول والزوال، بعد مرحلة النهوض والنمو والازدهار أو أثناء مرحلة التحول الكبرى فيما يعرف بمرحلة الثورة، أي مرحلة المخاض العسير التي تمر بها الأمة في الانتقال من واقع مرير إلى حركة تنشد التغيير، وتستغرق مرحلة ما يعرف بمرحلة الانتقال من الثورة إلى الدولة.
فهذه المرحلة هي أصعب وأدق وأخطر المراحل التي تحدد معامل التغيير وتقرر الفترة الزمنية التي تستغرقها قصراً أو طولاً، وبقدر نضج الشعوب وإخلاص نخبها السياسية والاجتماعية بقدر سرعة نجاحها في تجاوز المرحلة بأقل الخسائر وفي أسرع وقت، ويوفر عليها الكثير من الجهد ويحفظ لها كل طاقاتها ويؤمن لها ثرواتها المادية والبشرية، ويحقق أهدافها واستقرارها ويثبّت كيانها ويمنع زوالها.
بعد أن حسمت قوى ” مدنية الدولة ” معركتها الكبرى في صد هجوم قوات عسكرة الدولة في الغرب الليبي، وجدت نفسها أمام عدو لا يقل شراسة ولا فتكا بأمن الوطن والمواطن من الفساد المالي والإداري الذي استشرى في كافة مفاصل الدولة، ووجدت كافة القوى أن الوقت قد حان للقضاء على هذا السرطان الفاتك من خلال تكاتف كل القوى الوطنية والمؤسسات الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني في إعلانها الحرب على كل مظاهر الفساد وأبعاد ومحاسبة كل من تثبت إدانته في التورط في قضايا فساد من خلال تفعيل القضاء وفتح ملفات الفاسدين بدعاوى رسمية لدى مكتب النائب العام، فالمرحلة حاسمة ولا تسمح بظهور الفساد، ولا بقبول الفاسدين على رأس المؤسسات الليبية احتراما للشعب الليبي كافة ووفاءً لدماء الشهداء الذين ضحوا من أجل أن ينعم الليبيون بالحرية وأن يتمتعوا بثروتهم التي حباهم الله بها، وعلى القوى المدنية أن تضغط للقضاء على الفساد تحت شعار ( لا بقاء للفاسدين بيننا ).
إن الفساد إذا استشرى في قوم هلكوا، وإذا انتشر في أمة آذن بهلاكها، وإذا ساد في مجتمع سارع به إلى الانحلال، والانحلال هو بداية الطريق إلى الزوال، فمن علامات الانحلال والزوال انتشار الفساد، ولا نجاح ولا نجاة لأمة ما لم تقضِ على الفساد، وتقطع أسبابه وتأخذ على يد الفاسدة، وتُبعِد الفاسدين عن دوائر صنع القرار، وتمنع انتشار ثقافة الفساد من خلال الشفافية ودعم المؤسسات الرقابية الرسمية، وتأصيل ثقافة مراقبة الإنسان نفسه من خلال دعم وتقوية المنظومات الأخلاقية وتعزيز القيم الدينية، وتقرير القوانين الرادعة لكل مظاهر التجاوزات المالية والإدارية مع ترسيخ ثقافة توسيد الأمر لأهله من ذوي الاتصاف بالأمانة والكفاءة {اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } .
والنجاح في محاربة الفساد والقضاء على كافة مظاهره يعتبر من أهم مراحل السير في نجاح الثورة وتحقيق أهدافها.
وبقاء الفساد يعني بقاء أسبابه التي أدت إلى قيام الثورة، وكلما زاد الفساد كانت أسباب عودة الظلم باقية، وكلما تمدد تمددت الثورة المضادة، وكلما نجح القضاء تراجعت الثورة المضادة وانكمشت، وكلما تراجعت وانكمشت حققت الثورة أهدافها وحافظت على كيان الدولة وحققت آمال الشعب.
إذًا يمكن القول وبصريح العبارة وبكل ثقة في سُنَن نجاح الثورات وبناء الحضارات واستقرار واستمرار الأمم ـ أن النجاح في القضاء على الفساد هو ضمان لنجاح الثورة واستقرار الدولة واستمرار الامة، وأمل البلاد في رقي شبابها فإن كان حيا لا تخاف عليها من الزوال.