in

حل الصراع الليبي.. نهاية الوهم العسكري وتسوية المصالح الدولية

تزداد كل يوم الدعوات إلى حل سياسي في ليبيا، وإنهاء التصعيد العسكري بإعلان وقف دائم لإطلاق النار، هذه الدعوات تلهج بها تصريحات وبيانات مختلف الدول المعنية بالشأن الليبي والمنخرطة في الصراع أو حل هذا الصراع، ولكن هذه الدعوات تصطدم بواقع صعب ومعقّد، يحتاج إلى تحرّكات جادّة لتفكيكه من أجل الوصول إلى حالة استقرار دائمة في ليبيا.

تعقيد الصراع الليبي لم يكن في هجوم مجرم الحرب خليفة حفتر على العاصمة طرابلس في 4 /4/ 2019 ونسف العملية السياسية بالكامل فحسب، بل ما جرّه هذا الهجوم من دخول روسيا في المشهد بشكل فاعل ومباشر، مع نية أصبحت واضحة على جعل هذا الوجود إستراتيجياً في المنطقة.

ازدياد حدة التنافس الدولي حول ليبيا وارتفاع مستوى التدخل، والحسابات الخاطئة للاتحاد الأوروبي وواشنطن والتراخي في إنهاء هذا الصراع، أتاح لروسيا وتركيا المجال لقيادة هذا الملف دولياً، وأصبحت واشنطن تعوّل على أنقرة في إبعاد الروس من ليبيا قبل أكتوبر القادم، وإلا فإن هذا الملف سيضاف إلى قائمة الفشل الثقيلة التي سيدخل بها دونالد ترامب السباق الانتخابي من أجل الفوز بولاية ثانية.

الاتحاد الأوروبي من جانبه يعاني على صعيد سياسته الخارجية، ففرنسا تريد تغيير السياسة الأوروبية نحو استقلال تام عن الولايات المتحدة وفتح باب للحوار والتعاون مع روسيا، وهو ما لا يعجب معظم دول الاتحاد الأوروبي، ويجعل السياسية الفردية لهذه الدول هي الأكثر نشاطاً، مما ينعكس على ضعف الاتحاد الأوروبي كتكتل، ويتأكد هذا في الشأن الليبي، حيث فشل مؤتمر برلين في تحقيق مخرجاته، وهو ما يجعل المصالح والنفوذ الأوربي في ليبيا مهدداً بشكل غير مسبوق.

تركيا ترى أن نجاحها في الملف الليبي يعني انتقالها لمستوى أعلى في التأثير الدولي، وتجاوز كبير للدور الأوربي في المنطقة، وتدرِك أن مفتاح هذا النجاح في مدى قدرتها على مجاراة الدب الروسي في لعبة المصالح والتوازنات، وهو ما يجعل الولايات المتحدة تدرك أهمية الحليف التركي في منطقة أصبحت محل تنافس دولي كبير، لا تحبذ واشنطن الاصطدام فيه مع موسكو.

وترى روسيا في الصراع الليبي فرصة للعبور نحو القارة الأفريقية التي تعتبر السوق الواعد الجديد، كما أن وجودها في جنوب المتوسط سيعزز من دورها الدولي كقوة عسكرية ضاربة، وقادرة على تأمين مصالحها في أي مكان، وهي من خلال انخراطها في الصراع الليبي تريد اتخاذ التسوية السياسية منفذاً لوجودها بشكل رسمي ودائم.

في ظل هذا التنافس الدولي وتضارب المصالح بين الكبار تراجع دور مصر والإمارات الداعمتين لحفتر، وأصبحت الإمارات تضغط على مصر للانخراط العسكري المباشر في ليبيا، وهو ما تدرك مصر خطورته، إضافة إلى وضعها المقلق فيما يتعلق بسد النهضة والذي لن يهدد أمنها المائي فقط، بل سيؤثر على مكانتها إفريقياً وعربياً.

على الصعيد الداخلي فإن حالة التنافس الدولي تستقطب بشكل ديناميكي أطراف الصراع على الأرض إليها، وتؤطّر تحرّكات كل طرف في الصراع ضمن نطاق تحرّكات حليفه، وبتزايد المؤشرات على استبعاد حفتر من المشهد القادم والعمل على عزله بشكل تدريجي حتى لا ينزلق الشرق الليبي في حالة فوضى لا يمكن السيطرة عليها، يتزايد دور رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح الذي أصبح مقرّباً بشكل كبير من موسكو، وبذلك فقدت مصر والإمارات أدواتها السياسية في ليبيا، وهو ما يفسره لجوء مصر إلى لقبائل الليبية لشرعنة أي دور لها في ليبيا.

في الجانب الآخر أصبحت حكومة الوفاق في موقف أكثر قوة من خلال العمل مع الحليف التركي، والتقارب مع الجانب الأمريكي الذي يرى في قوات الوفاق خط الدفاع الأهم الذي سيواجه مرتزقة فاغنر، غير أن حالة الصراع داخل صف الوفاق وتنازع الصلاحيات بين المؤسسات السيادية، وتفشي حالة الفساد في الحكومة يجعل المجتمع الدولي لا يخاطر بالاعتماد الكلي على حكومة الوفاق.

ومع كل هذا التنافس الدولي وصراع المصالح أصبح الحديث عن التسوية السياسية يتخذ توجهاً لإيجاد صيغة من التوافق بين هذه الدول لضمان مصالحها، وهو ما يجعل الحديث عن النفط والإصلاح الاقتصادي حاضراً بقوة أكثر من أي شيء آخر، بينما تراجع وربما تلاشى الحديث عن الدستور والتوافق على مرجعية واضحة للعملية السياسية تضمن استقرار دائم في ليبيا، وهو ما يجعل التسوية القادمة تسوية بين الكبار.

كُتب بواسطة محمد الغرياني

بعد إقامة الصلاة في مسجد آيا صوفيا، اليونان تُنَكّس الأعلام وتعلن الحداد الوطني

أغذية تخفض الكوليسترول في الدم طبيعيا