بجمود العمليات العسكرية في سرت والجفرة، والدعوات المتكرّرة لوقف إطلاق النار والعودة إلى المسار السياسي، أصبح الحديث يتركز بشكل كبير على قضية إغلاق النفط وأنّ إعادة فتحه يجب أن تكون ضمن آليات تضمن توزيع عادل لإيراداته.
هذا التوجّه انعكس في التطورات الأخيرة والتي كان آخرها إعلان المتحدث باسم حفتر استمرار إغلاق الموانئ النفطية، واشتراط فتح حسابات خاصة خارج ليبيا تودع فيها الإيرادات النفطية، مع شروط أخرى لا تخرج عن سياق التوجّه الحالي، بعد أن كان حديث معسكر الكرامة لا يخرج عنتحريرالبلاد من الإرهاب والمليشيات ومقاومة الاحتلال التركي على -حدّ زعمهم-.
هل الصراع في ليبيا صراع موارد وإيرادات؟
ربما يكون هذا السؤال شائكاً وتثير إجابته كثيراً من النقاش والخلاف، خاصّة أن حالة الفساد التي استشرت في كل مفاصل الدولة وما صحبها من انهيار في الخدمات وتوالي للأزمات انعكست على مستوى دخل المواطن وضاعفت من حجم معاناته، وهو ما جعل البُعد الاقتصادي يأخذ حيزاً كبيراً من الصراع.
وبالرغم من هذا فإن تصوير الصراع على أنّه نتيجة للتوزيع غير العادل للإيرادات ليس إلا وقوفاً عند النتائج وإهمالاً للأسباب، فلا يخفى على المتابع أن حالة التهميش وغياب التنمية كانت حالةً عامة في كل ليبيا قبل ثورة فبراير 2011، وبعد ذلك أصبحت الموازنات العامة يصرف جُلّها على بند المرتبات والدعم الذي يصل لجميع الليبيين، ولا يمكن إغفال أن استخدام ورقة إغلاق النفط بدأت مبكراً منذ 2013، وهو ما جعل التنمية تغيب عن المشهد، ويبدأ التآكل ينهش في المنظومة الاقتصادية للدولة، والتي سرّع في تآكلها الاضطراب السياسي الذي جعل مؤسسات الدولة تغرق في الفساد بشكل غير مسبوق.
استخدام النفط كورقة ابتزاز سياسي حدث مبكراً بعد ثورة فبراير، واستخدمه دعاة الفدرالية لفرض رؤيتهم السياسية، ويحاول حفتر ومعسكره استخدامَه لنفس الغرض، فبعد سقوط وهم الحسم العسكري، لم يبقَ لحفتر إلا ورقة النفط ليساوم بها، وهو في كل تحرّكاته عينه على السلطة، وسيجد المبرّر دوماً لاستمرار الصراع حتى يصل إلى السلطة.
الانحراف بالتسوية عن مسارها:
محاولة إعطاء الصراع الليبي وجوهاً متعددة أحدها صراع النفط، لن ينجح في تخفيف حالة الاحتقان والانسداد بقدر ما سيطيل أمد الصراع، ويُعمّق الإشكاليات الناتجة عنه لتصبح دائمة، والتماهي مع تحولات الصراع والانحراف مع تعرجاته سيبتعد بالليبيين عن الحل الجذري لأزمتهم السياسية، ولن تتحقق بذلك إلا مصالح الدول المتدخلة.
الحديث عن توزيع إيرادات النفط بعيداً عن مصرف ليبيا المركزي، هو قفز على مشاكل عديدة، ووضعٌ للصراع في إطار مشكلة جديدة لن تسلم هي الأخرى من العرقلة والإفشال، وستكرّس لبقاء حالة الصراع مستعصياً على الحل.
حل الصراع في ليبيا لن يكون إلا عبر مساره السياسي الذي ينبغي أن يحقق حالة الاستقرار والديمومة من خلال مرجعية دستورية متفق عليها تحدد شكل الدولة وسلطاتها ونظام إدارتها، وتعالج آليات التوزيع العادل للثروة.
وهذا بلا شك لا ينفي ضرورة وجود معالجات هامّة تمهّد لإنجاح هذا الحل، ولعلّ أهمّها ضمان الالتزام بالمسار السياسي ومحاربة الفساد وتحقيق حد أدنى من الإصلاح الاقتصادي، ومراجعة أداء مصرف ليبيا المركزي في طرابلس وبنغازي، وتنفيذ الترتيبات الأمنية في كافة مناطق ليبيا.