فوجئ كثير من المتابعين للشأن الليبي بتصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التي هدد فيها بالتدخل العسكري في ليبيا، ورسم خطوطا حمراء داخلها، وكأن سرت والجفرة داخل الحدود الإدارية لمرسى مطروح التي ألقى فيها خطابه متشجعًا باستعراض عسكري لقواته.
لكني في الحقيقة لم أُفاجأ بهذه التصريحات؛ لأن التدخل المصري موجود منذ عام 2014 بدعم غير محدود لحفتر، ونستذكر قصفها لطرابلس إبّان حرب فجر ليبيا، والذخائر المصرية والجنود المصريين الذي رصدتهم قوات الجيش خلال مشاركتهم في العدوان على طرابلس، وأظن أن السيسي خلال الخطاب حاول تغيير شكل التدخل من تدخل تحت الطاولة إلى تدخل فوقها وعلى المكشوف، وأراد تقمص دور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي صرح علنا بدعم حكومة الوفاق بعد إبرام اتفاقية مع ليبيا.
وكشف السيسي خلال خطابه أيضا الحقيقة والغاية من دعمه لحفتر في السنوات الماضية، وهي الموانئ النفطية والنفوذ المطلق في المنطقة الشرقية، وأبان عن أن سبب تخليه عن نجدة حفتر بقوة أكبر بعد هزائمه في طرابلس في المدة الأخيرة هو أنها لا تهمه.
هذه التصريحات تطرح تساؤلات عن مدى جدية السيسي في ذلك، وهل سيتدخل إن تجاوزت قوات الجيش الليبي الخطوط الحمراء التي وضعها؟ وكيف ستتعامل الوفاق مع ذلك؟
وأعتقد أن هناك بعض العوامل التي دفعت الرئيس السيسي للإدلاء بهذا التصريح وهي:
– التدخل التركي الذي قلب الموازين وتأطير الأزمة الليبية بين روسيا وتركيا، جعلته يخشى أن يكون على دكة البدلاء ويخسر الرهان على من دعمه لسنوات.
-ظن السيسي أن تحالفاته الأخيرة مع فرنسا واليونان وإيطاليا والإمارات والسعودية وروسيا المعادين لتركيا، ستؤثر وتقلب موازين القوة العسكرية على رأس أنقرة التي بحسب تقدير السيسي تعمل وحدها في ليبيا.
-النقطة الأهم هي إدراك السيسي أن خسارة سرت هي خسارة للموانئ النفطية الورقة الرابحة لمصر في الضغط خلال الحوار السياسي الذي سيبدأ لا محالة.
وفي الوقت ذاته، ثمة أسباب قد تجعل تصريحات السيسي للاستهلاك الإعلامي فحسب وهي:
• العامل الأهم هو العامل الاقتصادي؛ فحرب كهذه ضد شعب يرفض وجودك، وحكومة متحالفة مع شريك قوي ـ تحتاج إلى قدرة ماليّة كبيرة، ومصر مثقلة بالديون، ولن تستطيع الإمارات والسعودية تغطية تكاليف الحرب مدة طويلة.
•أعتقد أن الجيش المصري يملك من الخبرات والمستشارين الكبار الذين يدركون تماما أن تركيا التي ادّعى السيسي محاربتها في ليبيا ـ هي دولة كبرى من الناحية العسكرية، ولا طاقة للجيش المصري بمحاربتها في ظل بؤر الصراع في سيناء وسد النهضة التي قد تتفاقم.
• سد النهضة هو الآخر سيلعب دورا في قراءة السيسي ويمنعه من التهور في عمل عسكري، إضافة إلى وجود روسيا التي لها هدف مماثل للسيسي وهو السيطرة على الموانئ، ولن تسمح له بالاستئثار بها.
هذه النقاط يقويها تصريح وزير الخارجية المصري “سامح شكري” اليوم الذي حاول أن يلطّف من حدّة تصريحات السيسي، ويوضح الغرض منها عندما قال ردًّا على اعتبار “الوفاق” كلمة السيسي بمثابة إعلان للحرب، “إن قراءة حكومة الوفاق لخطاب الرئيس السيسي كانت قراءة مجزأة وتقديرا خاطئا، وإن مصر لها رؤية مشتركة في تعزيز الحل الليبي الليبي، وليس هناك حل عسكري للأزمة الليبية”.
دور الوفاق
ولحكومة الوفاق التي تمثل ليبيا خيارات عدة لمواجهة مثل هذه التصريحات التي تصدر من السيسي أو غيره باعتبار أن لها الحق الأصيل في حماية الأمن القومي للبلاد.
ومن هذه الخيارات تعزيز القوات المرابطة في سرت، وإنهاء الجمود العسكري الحاصل هناك بالسيطرة على المدينة، وجعلها ورقة تفاوض، واستئناف التواصل الدبلوماسي والتحالف مع الدب الروسي، والتوصل معه إلى تسوية مرضية للطرفين، خاصة أن أطماع مصر وروسيا واحدة ولدى الوفاق القدرة على مناورة الروس سياسيا بدعم من أنقرة.
وعليها أيضا أن لا تكتفي بلغة البيانات وتتخذ خطوات ملموسة ترسل رسالة واضحة للدول الطامعة بأن السيادة الليبية غير قابلة للتفاوض، وأنها حكومة لكل البلاد ويجب أن تبسط سيطرتها عليها.
أما فيما يخص تسليحه للقبائل فلا أتوقع أن يسلح السيسي قبائل الجوازي وأولاد علي، فهو له خبرات وكفاءات في الجيش المصري سترفض ذلك لأنها تعلم جيدا أن تسليح هذه القبائل خطر على الجيش نفسه، وسيخلق فصيلا مشابها لحزب الله في لبنان، بل هو يقصد القبائل الليبية بالمنطقة الشرقية، في محاولة منه للتحشيد فحسب.
أخيرا هذه التصريحات مع أنه يجب أخذها في عين الاعتبار فالغرض منها في تصوري إظهار أننا موجودون ونريد نصينا، وفي ذات الوقت يجب الحذر منها لأنها قد تكون تمهيدا لتهيئة الشارع المصري للتدخل بعد فقدان حفتر لسرت التي ستسقط لا محالة، وحينها سيزعم السيسي أن الجيش الليبي اجتاز الخط الأحمر لأمن مصر ويرسل جيشه للتمركز في الموانئ وهي الغرض الأساس من هذا التدخل.