انتكاسة بل فشل مخطط حفتر وداعميه الإقليمين لم تؤكده الخسائر العسكرية الكبيرة
التي مني بها مؤخرا بعد انطلاق عملية عاصفة السلام فحسب، بل تدلل عليه أيضا
الانتقادات الواسعة للمخطط وللحرب، بل ولعرابها وذلك من قبل مؤيديه.
أصوات عديدة صمتت لعام كامل، كنا نستحثها لتقول كلمتها في إدانة العدوان واستنكار القتل والدمار، ها هي اليوم تصدح معلنة رفضها للحرب، بعضها حمل حفتر مسؤولية الواقع الخطير الذي بات يهدد البلاد بعد إعلانه الحرب على حكومة الوفاق.
مشارب متعددة
لا يمكن وضع جميع من أعلنوا عن تحفظهم على الحرب على طرابلس مؤخرا ممن ناصروها أو سكتوا عن إدانتها خوفا أو طمعا في سلة واحدة، فبعضهم لم يرَ في الحرب مكسبا ولا مصلحة، ومن ضمن هؤلاء بعض أنصار الطرح الفيدرالي، والبعض لأسباب قيمية ووجدوا في التطورات الأخيرة مناسبة للإعلان عن موقفهم، والبعض تماهى مع حفتر لتحقيق مأرب سياسي، ولما تأزم الموقف بعد الخسائر الأخيرة وجه له السهام متنصلا من تبعات الحرب.
غير أن المهم هو ارتفاع صوت المعارضين للحرب بغض النظر عن اتجاهاتهم أو دوافعهم، فالحرب شر، وكلما ارتفعت أصوات المعارضين لهذا الشر ضمن الجبهة الداعمة أسهم ذلك في وقفها.
تذمر له ما بعده
هذه الباكورة من المعارضة من خارج جبهة الوفاق ومن بين من ناصروا عملية الكرامة حتى ضمن الداعمين للحرب في أيامها الأولى سيكون لها ما بعدها، خاصة إذا استمر سيناريو تهاوي قوة ونفوذ حفتر في المنطقة الغربية، ومن المؤكد أن تتسع دائرة المعارضة لتشكل أحد أهم أسباب وقف الحرب، بل ربما ستكون من بين عوامل انحسار المشروع في العديد من المناطق الحيوية في الغرب والوسط والجنوب.
مشروع حفتر ومخطط داعميه إقليميا ودوليا بات يواجه تحديات أكبر من ذي قبل، فالخلل في الحلف الذي انعقد له بعد إطلاق عملية الكرامة في المنطقة الشرقية دفعه إلى استخدام القوة للسيطرة فأنهى بذلك التوافق وأصبح التربص هو سيد الموقف.
المهم هو ارتفاع صوت المعارضين للحرب بغض النظر عن اتجاهاتهم أو دوافعهم، فالحرب شر، وكلما ارتفعت أصوات المعارضين لهذا الشر ضمن الجبهة الداعمة كلما أسهم ذلك في وقفها.
السيناريو يتكرر اليوم في مدن الغرب التي دخلت في حلف معه، فقد تعالت أصوات النقد والتذمر مع طول أمد الحرب وتراكم الخسائر، وصار هناك اعتقاد عند جملة ممن انخرطوا في هجوم حفتر على العاصمة بأن إدارة الحرب فاشلة وأن المعادلة صارت تتجه لصالح الوفاق، وبسبب الخوف من القادم الذي لن يحميهم حفتر من ويلاته ارتفع منحى النقد وحتى التخوين فصار ذلك عاملا من أهم عوامل الهزيمة.
ترهونة اليوم هي الاختبار الأهم لحكومة الوفاق، والمثال الحي لحالة التفكك في جبهة المعتدين على العاصمة. فبعد توريط المدينة في الحرب من قبل متنفذين عسكريين ورموز اجتماعية، وبعد تضييق الحصار عليها ثم توجيه لهيب المعارك إلى أطرافها ظهر ما يفيد بتذمر جموع من داخل المدينة من الفئة المتنفذة، وبدا أن هناك خلافا بينها وبين مجموعات أخرى موالية لحفتر على خلفية إدارة المعركة والخوف من تخلي حفتر عنهم في حال اشتد التضييق على المدينة وصارت هدفا مباشرا لقوات الوفاق، وسيكون هذا من بين أهم أسباب انكسار القوة داخل المدينة وهزيمتها.
بيان حكماء مدينة الأصابعة التي تعد اليوم أهم وآخر معقل لأنصار حفتر في المنطقة الغربية فيه نبرة تصالحية وتصريح بعدم موالاتهم ونصرتهم للمجموعات الفارة من مدن صرمان وصبراته والعجيلات ورقالدين، وبغض النظر عن صدق الموقف، إلا أن التصريح يعد مؤشرا على انفراط العقد، والاتجاه إلى تسوية الخلافات مع المركز في المنطقة الغربية.
خطر ينبغي مجابهته
الخطورة تكمن في بعض اتجاهات النقد والتذمر، فالكثير من أصوات المعارضة في الشرق تنحو منحى الاتهام والتخوين لأنصار العدوان على طرابلس في الغرب، وأن الحرب كانت طامة على أبناء الشرق دون غيرهم.
في هذا المنحى مخطر كبير وهو تغذية النزعة الانفصالية وتمكين مخطط التقسيم الذي يعول عليه كثيرون في الداخل ويسعى له متربصون من الخارج، ويتحمل مسؤولية هذه التداعيات حفتر ومن ناصره في هذه الحرب، وأذكِّر بتعقيب لي منذ اليوم الأول للعدوان على طرابلس وهو أن هذه الحرب كارثية سواء انتصر حفتر أو انهزم، ففي انتصاره انتكاسة خطيرة وعودة للمربع الأول، وبهزيمته يتعزز مخط التقسيم.
المصدر_ عربي21