في مثل هذا اليوم قبل ١٢ شهرا شنت دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والسعودية عدوانا على ليبيا سخرت له كافة إمكانياتها المادية وترسانتها العسكرية لتحقيق حلم إعادة ليببا إلى حظيرة الاستبداد.
في عملية تعدّ من أكبر العمليات العسكرية التي خاضها مشروع الثوارت المضادة ضد واحدة من أكبر ثورات الشعوب التي دفعت ولا تزال تدفع ثمن الانعتاق والوصول إلى ضفاف الحرية.
في الرابع من أبريل دفع مشروع الاستبداد العربي بكل ما أوتي من آلات الموت لوأد ثورة فبراير تحت ركام البنية التحتية لعاصمة ليبيا بهدف مصادرة قرارها السياسي والسيطرة على مواردها، ثم تترك لحفتر وعائلته شؤون الاستبداد الداخلية وكيفية التعامل مع من يرفض العيش ذليلا تحت سماء وطنه.
مشروع كان يهدف إلى إعادة هيكلة النظام السياسي في ليبيا كما فعل في مصر حيث أعيد المصريون إلى حظيرة السمع والطاعة والاختيار ببن الموت فجأة في زنازين الفراعنة الجدد أو التخلي عن أي طموح سياسي أو تفكير في بناء دولة بأسس حديثة.
ولم يكن حفتر يجرؤ على اتخاذ أية خطوة بحجم الهجوم على معقل الثور الليبية ومركز ثقلها، فضلا عن مجابهة حكومة معترف بها دوليا لولا الضوء الأخضر وأشكال الدعم الذي تجزله له أبو ظبي والرياض من المسيَّرات وعربات التايغر، عوضا عن مجموعة الفاغنر التي تعد من أخطر فرق الموت في العالم.
الا أن هذه الحملة رغم تخمة الإمكانيات التي سخرت لها واستعانتها بمرتزقة من مشارق الأرض ومغاربها وعلى مدى 360يوما لم تفلح إلا في قتل الأبرياء وترويعهم؛ بسبب اصطدامها بإرادة الإنسان التي لا تقهر حين يقدم أغلى ما يملك من أجل تحقيقها.
12 شهرا حاول خلاها ظهير مشروع الاستبداد العربي الوصول وبأي شكل من الأشكال إلى كرسي الحكم ووضع كعب رجله على آمال الليبيين مستخدما أبناء برقة والجنوب، ولا يكاد يمر يوم دون أن تستقبل تلك المناطق عشرات من أبنائها في نعوش جعلهم فيها الجنرال وقودا من أجل أطماعه الشخصية.
إلى جانب ذلك جند حفتر قطيعا آخر من المنتفعين باسم الدين أو تحت صفة شيوخ القبائل الشريفة، فضلا عن ظهور نشطاء مجتمع مدني وإعلاميين من نوع لم يره أحد من قبل يميزهم السباب والشتائم وهتك الأعراض.
كما ظهر صنف آخر من السياسيين الذين لا يفهمون من السياسة إلا فنون التطبيل وكيفية قرع الطبول في بلاط الجنرال، وسجن وإخفاء كل من يرفض أو حتى يخطئ في أدبيات التطبيل.
وكانت سهام سرقيوة أول من نال عقاب من يبدى نوعا من التروي في مدح أفعال الجنرال، كما أنها ليست وحدها من ذهبت ضحية أنياب جنرال مهووس بالسلطلة ومقهور بتاريخ من الهزائم المنقطعة في تلك البلاد الصابرة التي شبعت من القهر والقمع وممارسة العنف حتى صدرته إلى العاصمة طرابلس التي تبعد نحو 1400 كيلو عن الرجمة مهد فتنة إراقة الدم الليبي الحرام.
وفي عرف المستبد ليس من الضروري أن ترتكب جرما حتى تقبع في الظلام وغياهب السجون بل يكفي فقط أن تعبر عن رغبتك في حقن شلال الدم والإسراف في تقتيل الأبرياء أو تبدي امتعاضا من وأد حكام الإمارات وتابعيهم بغير إحسان لأطفال ليبيا.
وكان مرور 360 يوما كافيا كذلك لتكشف حقيقة النرجسية السياسية وواحدة من أكثر صور ازدواجية المعايير المجتمع الدولي خزيا، وكشفت كذاك أسلوب الاستعمار الناعم الذي يمارسه بعض أعضاء مجلس الأمن ويسكت عنه البعض الآخر.
كما كشفت أن النظام الرسمي العربي غير قابل للتطور المعرفي، ولا يزال قابعا في وحل التخلف الفكري والحضاري وما زال يستقوى بعدة عوامل عفى عليها التاريخ وتعود لعصر استغلال الإمبراطوريات للكنيسة من أجل إضفاء الشرعية على تصرفات وقرارات الإمبراطور، مع تميز المستبد العربي بامتلاكه شرعية دينية تجعل من رأيه نصا شرعيا مقدسا لا يقبل التعقيب عليه بل يجوز له أن يستخدم القوة لفرضه.
ومع مرور سنة على هذا العدوان الإقليمي والدولي على عاصمة ليببا لا تزال الحقيقة التي تؤكد أن عهود الظلم والاستبداد قد ولت ولن يكون هناك قبول بنظام شمولي مهما تداعت الدكتاتوريات العربية لتثبيته في ليبيا من جديد بفضل وعي الشعوب وإرادتها التي لا تقهر وإدراكه بأن تأجيل معركة الاستبداد لن يجعلها أقل كلفة، ولن يعبر الليبيون إلى بر الأمان دون التخلص من الاستبداد الذي يعد أخطر وباء كما وصفه الكواكبي قبل مئة عام قائلا“إن الاستبداد داء أشد وطأة من الوباء، أكثر هولا من الحريق، أعظم تخريبا من السيل، أذل للنفوس من السؤال. داء إذا نزل بقوم سمعت أرواحهم هاتف السماء ينادي: القضاء القضاء! و الأرض تناجي ربها بكشف البلاء. الاستبداد عهد أشقى الناس فيه العقلاء و الأغنياء، و أسعدهم بمحياه الجهلاء و الفقراء، بل أسعدهم أولئك الذين يتعجلهم الموت فيحسدهم الأحياء”.