in

لا تركنوا إلى مِصر فيصيبكم استبدادها

يستعذب الإعلام المصري الحديث عن كل ما له علاقة بالثروة في ليبيا في سياق حديثه عن الأزمة الحاصلة فيها، يُلحظ ذلك من كلام الأبواق الإعلامية المسخرة على الفضائيات المصرية، بل تجاوز الحديث حالة الطمع في الثروة إلى الجشع الذي يريد أن يأكل الأخضر واليابس.

حديث الثروة في ليبيا أوصلهم إلى الحديث عن واحة الجغبوب الوافرة بالمياه واعتبارها “واحة مصرية مسلوبة من ليبيا” وتعالت المطالبة باستردادها ورُفعت قضية في القضاء الإداري المصري بهذا الخصوص، وهو ما قوبل برفض ليبي رسمي وشعبي واسع حتى من بعض حلفاء النظام المصري في ليبيا، كما لم يتحرج الإعلامي المصري التابع للسيسي عمرو أديب في مقاطعة المتحدث باسم قوات حفتر أحمد المسماري أثناء حديثه عن أمور عسكرية متوجها بسؤال واضح وجلي: “من يسيطر على حقول وموانئ النفط؟” في إشارة واضحة إلى أن السطر المهم في تعامل مصر مع أزمة جارتها هو المتعلق بالثروة، ولا شيء غير الثروة.

لا غرابة في هذه النظرة من الإعلام المصري؛ لأنها تُعد انعكاسا لتوجه الحكومة المصرية، فالسيسي ومِن على منصة الأمم المتحدة قال إن الحل في ليبيا يكمن في إعادة توزيع الثروة، وقبلها في عام 2016 صرح السيسي في خطابه الشهير: “كنا نستطيع استباحة ليبيا وثرواتها لكن أخلاقنا منعتنا”، وهو تصريح يشير بأن النية موجودة لديه بل ومسيطرة، إلا أن اعتبارات كثيرة منعته من ذلك، وحتما ليس من ضمنها الاعتبارات الأخلاقية فهي لا تعنيهم كثيرا، ولن يضيرهم في شيء أن تتقوض أسس السلام الاجتماعي فى ليبيا، وأن يزرعوا بذور الفتنة التي تؤجج الشقاق والصراع داخل الجماعة الوطنية الليبية.

يدرك النظام المصري توازن القوى في الإقليم؛ وهو ما يمنعه من تحقيق حلم استباحة ليبيا وثرواتها، كما يفهم جيدا معادلة: “استباحة ليبيا يتصادم مع حكومة ليبية وصلت إلى الحكم ديمقراطيا”؛ لأن أي حكومة مهما كان توجهها لن توافق على حلم السيسي خوفا على رصيدها، وبالتالي فإنه لا سبيل أمام السيسي ونظامه إلا بدعم جنرال ينسخ تجربتهم، وهو ما يفعله الآن دون أي مواربة.

فمصر تعد القاعدة الخلفية لحفتر في مشروعه لحكم ليبيا عسكريا، والدعم اللوجستي والاستخباراتي لعملية حفتر في سيطرته على العاصمة يأتي منها وهو أمر واضح للجميع، كما أن اقتراب حفتر من العاصمة زاد جشع المصريين، فانسلخوا من كل علاقاتهم مع حكومة الوفاق في طرابلس التي كانوا سابقا معترفين بها، خاصة بعد ردّ رئيس المجلس الرئاسي على السيسي “نستغرب التدخل المصري في شؤوننا وإعطاء الليبيين دروسًا في الديمقراطية وكيفية توزيع الثروات”.

لقد راهن النظام المصري على حفتر وألقى بكل ثقله في دعمه بما أسهم بشكل مباشر في قتل الليبيين المدنيّين، لكن هذا الرهان اصطدم باتفاقية الوفاق البحرية والعسكرية مع تركيا الخصم اللدود لمصر، وهو ما أوجد واقعا عسكريا جديدا خلق توازنا وثقلا سياسيا للوفاق، وأصاب مشروع المصريين في مقتل.

لا نتوقع من النظام العسكري المصري بعد إخفاق مشروعه مع حفتر أن يدعم الليبيين في اختيار من يحكمهم ديمقراطيا، فالديمقراطية تراها مثل هذه الأنظمة مرضًا فتّاكًا ووباءً معديًا ينذر بزوالها، خاصة إذا كان المصاب بلدًا جارًا، لذلك لجأت الحكومة المصرية إلى لعبة جديدة، وهي تفكيك الكتلة الصلبة الرافضة للحكم العسكري، وسِيلتُهم في ذلك الشماعة الجديدة القديمة “الإخوان”، تريد مصر من خلال هذه الشماعة إرسال رسالة مفادها أنها “ضد الإخوان ومع الحكم المدني”.

ما دعانى إلى استدعاء هذه الخلفية هو ما نراه من سير بعض السياسيين المتشدقين برفض الحكم العسكري في ركابهم بسبب خصومة ضيقة أو مصلحة سياسية، ولا يفهم هؤلاء أنهم وسيلة مؤقتة لغاية خبيثة ستنالهم تبعاتها في زمن قصير، فرموز التيار المدني في الدولة المصرية ورغم انبطاحهم للعسكر لإنهاء مشروع تداول السلطة سلميا، لم يسلموا من تبعات هذا الموقف ليصبحوا بين سجين وشريد أو في أحسن الأحوال مكتوم الأنفاس، حتى من تشجع وترشح للانتخابات سجنه السيسي لأنه لا يرى أي منافس له، ولا يحتاج المرء إلى حصافة كبيرة حتى يدرك ذلك إلا إذا تشبع بهوى التصدر والسلطة وتغلب هواه على عقله، فيخرب مثل هؤلاء مستقبلهم بأيديهم ويصبحون عبرة لأولي الأبصار.

كُتب بواسطة raed_admin

الجيش يرد على هجمات ميليشيات حفتر… ويتوعدها بإسكات منصات صواريخها

قنونو: الجيش يحبط عملية تسلل لميليشيات حفتر بالعزيزية