قال مستشار الطب الشرعي بمركز الخبرة القضائية والبحوث بوزارة العدل الدكتور “عثمان الشيباني الزنتاني” إن مشاورتهم مع الوفد الأثيوبي بشأن ضحاياهم الذين أعدمهم تنظيم الدولة في سرت قبل 5 أعوام، لا تزال متواصلة.
وفي حوار مطول مع الرائد أعرب مستشار الطب الشرعي الوحيد في غرب ليبيا، عن أملهم في تقدم الطب الشرعي في ليبيا، مضيفاً أنهم في انتظار قيام 3 أطباء شرعيين من منطقة ورشفانة بأداء اليمين القانوني خلال أشهر ليضطلعوا بمهنة الطب الشرعي.
وأضاف صاحب الخبرة التي قاربت أربعة عقود، وتولى تشريح جثة “معمر القذافي” عام 2011م أنهم أنهوا تشريح جثة الأخير في 4 ساعات، نافياً تعرضه لأي تهديدات حينها، مضيفاً أن القضية أخذت السياق العام كحالة قضائية عامة، بعد تكليفه من النيابة العامة … فإلى نص الحوار
أنت أول طبيب شرعي في المنطقة الغربية، ومن قلائل الأطباء الشرعيين، برأيك لماذا لا يشهد التخصص إقبالاً اليوم، وهل من ضمن خطتكم تدريب وتخريج أطباء شرعيين؟
الحقيقة أنا كنت أول معيد طب شرعي في الجامعات الليبية، وعندما تقدمت كمعيد لأكون عضو تدريس، كان ذلك في مطلع مارس من العام 1988م بقسم الطب الشرعي بجامعة طرابلس، وعندما عدت لليبيا في نهاية البعثة عام 1999م كنت أول عضو هيئة التدريس في هذه الجامعة وبقيت أدرس لعدة سنوات، ثم زاولت العمل بوزارة العدل كمستشار الطب الشرعي ورئيس لقسم الطب الشرعي بمركز طرابلس الطبي، وكنت أول رئيس لقسم الطب الشرعي، في الحقيقة مشوار الطب الشرعي مشوار صعب، المهنة مرتبطة بالقانون والحق والعدالة، الطبيب الشرعي يجب ألا يكون إنسان مزاجيا، بدون أهواء، ويجب أن يكون إنسانا عدلا، نحن كأطباء شرعيين نعتبر شهودا أمام القضاء، حتى عندما تطلب منا النيابة إفادة نوقع في خانة شاهد، فالطبيب الشرعي شاهد حقيقة شاهد علم، وهذا يتطلب خبرة وشهادة علمية، ومهارة في أداء العمل، ونأمل أن تعقبنا الأجيال القادمة في هذا الطريق لخدمة الوطن، نحن في الطب الشرعي نقوم بالكشف عن الأحياء ويشمل الإصابات والجرائم الجنسية ونسبة العجز وتحديد السن، والمسؤولية الطبية بالنسبة للأحياء، وإثباث الحالات، كما أننا نقوم بالكشف عن الجثث وحالات الوفاة، والتي تشمل القتل بجميع أنواعه، سواء كان القتل بإطلاق ناري، أو حوادث سير، أو الاعتداء بآلات مسببة للوفاة، طعن بسكاكين
برأيك هل لهذه الأسباب مجتمعة، يشهد الطب الشرعي عزوفاً وعدم وجود أي اقبال عليه؟
صحيح، لكن دعني أكمل الحيثية البسيطة لتوضيح المعلومة حول الطب الشرعي، نلاحظ كم الحالات التي ترد للطب الشرعي، والعبء الكبير كذلك في كتابة التقارير، عندما يكتب الطبيب الشرعي تقريرًا طبياً يتم إحالته إلى الجهات القضائية، سواء كانت محاكم أو النيابات، والأخيرة تعتبر الطبيب الشرعي قاضي فني، عادة كثير من القضايا لا يتم فيها الفصل إلا بعد ورود تقرير الطبيب الشرعي إلى المحاكم أو النيابات، وأصبحت كثير من القضايا معطلة وتأخذ مدداً طويلة في أروقة المحاكم والنيابات نظراً لعدم ورود تقرير الطب الشرعي، ليبيا تحتاج إلى عدد كبير من الأطباء الشرعيين تغطي هذه الرقعة الكبيرة، تحتاج لتأهيل على مستوى الدراسات العليا بما يخص الماجستير والدكتوراه حتى نغطي احتياجات الجامعات من الاستشاريين واختصاصيين الطب الشرعي، يكفي أن أقول إني مستشار الطب الشرعي الوحيد في غرب ليبيا، يقابلني زميل آخر في بنغازي، الوضع صعب جداً، والإقبال لا يزال بسيطا رغم بعض الحوافز المادية التي وضعت للأطباء الشرعيين، لكن لا تزال الحوافز بسيطة أمام التخصصات الإكلينيكية السريرية الأخرى التي تمنح الطبيب حق افتتاح عيادة أو مصحة أو يزاول العمل في أكثر من مصحة، ويجني أموالاً حلال بخبرته، الطبيب الشرعي أمامه راتبه فقط..
نحن نقوم حالياً بتدريب أطباء شرعيين في مركز الخبرة القضائية والبحوث، درّبت سابقاً مجموعات في طرابلس وغريان والزنتان، حالياً في مستشفى الزهرة بمنطقة ورشفانة نقوم بتدريب عدد 3 أطباء شرعيين، نتمنى أن يؤدوا اليمين القانونية خلال أشهر، ليضطلعوا بمهنة الطب الشرعي، ونتمنى أن ننتقل الى منطقة أخرى تحتاج لأطباء شرعيين نقوم فيها كذلك بالتدريب.
شرّحت جثة “معمر القذافي” عام 2011م، هل تعرضت حينها لأي مضايقات من أنصاره، وبما ترد على مزاعم عدد كبير من أنصاره الذين يزعمون أنه لا يزال حيّاً؟
الحقيقة بالنسبة لواقعة موت “معمر القذافي” في عام 2011م هذا الأمر موثق إعلامياً، وبشكل واضح من كافة الأطراف في الداخل والخارج، وتم إحالة الجثمان إلى الطب الشرعي من قبل مكتب النائب العام، أنا أديت دوري كطبيب شرعي، ومستشار الطب الشرعي في ذلك الوقت، بناءً على تكليف من النيابة العامة، والحالة أخذت السياق العام كحالة قضائية عادية جداً تم الكشف عنها، ورداً على مزاعم من يعتقدون أنه لا زال حيا، أعتقد أن الشواهد التي أمامي كطبيب شرعي، قدمت إلينا جثة “معمر القذافي” وقمنا بالكشف عنها، وتبثت وفاته، وأعتقد أن ذلك معرًوف في كل البلاد.
هل استغرق التشريح وقتاً؟
طبعاً الظروف التي تمر بها البلاد، الوضع العام للقيام بالتشريح كان يجب أن يكون في وقت معين في المشرحة بحيث لا يكون هناك تجمهر للناس، ولا يكون هناك صحفيين، أو مضايقات، والحمد لله أنهينا التشريح بحضور النيابة العامة، وقد أخد تشريح الجثمان 4 ساعات وهو السياق العادي، ولم نتعرض أثناء الكشف لأي نوع من المضايقات، لكن أنا كخبير الطب الشرعي في كل القضايا حتى في قضايا القتل العادية، لا نحاول الاحتكاك بالأطراف لوجود حساسيات، أنا قمت بواجبي كخبير طب شرعي، وهذا أمام الله وأمام القانون.
هل امتلكت ليبيا اليوم معملاً للبصمة الوراثية يغنيها عن انتظار استقبال العينات من الخارج؟
الحديث عن البصمة الوراثية يطول، هناك عدة معامل للبصمة الوراثية في ليبيا، هناك معمل يتبع وزارة العدل والخبرة القضائية منذ العام 2006م، وهناك معمل يتبع المباحث الجنائية منذ سنوات طويلة كذلك، وهناك معمل آخر يتبع الهيئة الوطنية للمفقودين.
أشرت إلى أن ليبيا تمتلك معامل منذ سنوات عدة، لكن في مقابل ذلك لا يزال يتم إرسال العينات إلى الخارج؟
المعامل لم يتم تفعيل العمل بها، رغم وجود الأجهزة ووجود التدريب، لكن كانت هناك معوقات كبيرة، للأسف أغلب المعامل لا تملك خبرة، وتحتاج إلى مناقشة مع المسؤولين عنها، بحيث لماذا لم يتم تفعيل المعمل حتى الآن، مثلاً آخر قضية كانت للأقباط المصريين الذين أعدمهم تنظيم الدولة، لم نجد معملاً للبصمة الوراثية داخل البلاد فاضطررنا لإرسال العينات إلى الخارج، إلى مصر على وجه التحديد.
لو حدثتنا عن أهمية معامل البصمة الوراثية بالنسبة لكم؟
مهمة خاصة في الكوارث والبحث عن المفقودين وقضايا إثباث النسب، وقضايا الجرائم الجنائية كافة، عندما تجد بقعة دم تريد البحث عن الهوية، يعني معمل البصمة الوراثية يلعب دوراً مهما في تحديد الهوية عن طريق قواعد البيانات، بحيث أصبح مثلاً في بعض الجرائم الجنائية مثل قضايا السرقة والاغتصاب وغيرها، يكفي أن يكون لديك قواعد بيانات، المجرمون المعتادون على الإجرام (الذين لديهم العود) في القانون الجنائي، بحيث أن يكون لديك بعض الأدلة البيولوجية، بالإمكان مقارنتها بقواعد البيانات التي لديك، بدون أن تفقد كثير من الجهد والوقت والأموال في البحث عن المجرمين، بمجرد الرجوع لقواعد البيانات ستعرف أن هذا الدم يخص مجرما معينا.
هناك مفقودون ليبيون منذ العام 2011م، هل قمتم بأي جهود للتعرف على مصيرهم، وما هي الإمكانيات المطلوبة للتعرف على مصيرهم؟
أعتقد كما ذكرت، هناك الهيئة الوطنية للمفقودين التي انبثقت عن وزارة الشهداء والمفقودين والمبتورين في المدة السابقة، تعاوننا معهم وحاولنا تطوير طريقة الكشف عن الجثث والجثامين وبقايا العظام، ولكن العمل تعثر نظراً للظروف التي تمر بها البلاد في عدة مناطق، فالرغبة موجودة لدى الجميع وخاصة في هيئة المفقودين في القيام بهذا العمل، نحن زملاء نشد على أياديهم، ولدينا تعاون في كل المهام التي تخص الكشف عن الجثامين مجهولة الهوية، قضية المفقودين تنحصر في ملفين، الأول، جثت مجهولة أو هياكل عظمية أو بقايا عظمية مجهولة الهوية تُكتشف من حين لآخر في منطقة أو أخرى، ممكن أن تكون فرادى هذه الهياكل أو مدفونة كمجموعات، ولدينا الملف الآخر، وهو الأسر التي لديها مفقودون، نحن لدينا فرق الطب الشرعي والكشف عن الجثامين مهمتها جمع المعلومات الخاصة بالهيكل العظمي، وأخذ العينات والقياسات، وكل المعلومات التي يحويها القبر الموجود به بقايا الهيكل العظمي، كما أن هذه الفرق تذهب إلى الأسر وتأخذ منها عينات البصمة الوراثية، وعادة تتم مطابقة ما بين العينات التي أخذت من الطب الشرعي والعينات التي أخذت من عائلات المفقودين، العمل الحقيقة جزء منه اكتمل، لكن يُنتظر تفعيل معامل البصمة الوراثية وخاصة في الهيئة الوطنية للمفقودين، ينتظر كذلك إكمال بقية الكشف عن المقابر الجماعية وبقايا الهياكل العظمية والجثث المجهولة في عدة أماكن، هذا يتطلب قيام المؤسسات بدورها، يعني المؤسسات كافة من معامل طب شرعي من تحقيق وغيرها، وأنا أرى أن ذلك يتطلب جهدا ووقتا ليس بالبسيط.
زار وفد رسمي أثيوبي ليبيا أواخر ديسمبر الماضي للعمل على استرجاع جثث أثيوبيين قتلهم تنظيم الدولة في ديسمبر 2017م، ما ذا عن آخر التطورات بخصوص ذلك؟
نحن تواصلنا مع الوفد الأثيوبي عندما زار ليبيا في المدة الماضية، وأنتم كشبكة تملكون معلومات عن ذلك، وقد وثقتم الزيارة، وقد رجع الوفد الأثيوبي بعد الاتفاق معهم، وللعلم أثيوبيا لا تملك معامل بصمة وراثية، وغير قادرين لوحدهم على تحليل العينات، التقيناهم، تعرفنا على قدراتهم، وتفهمنا رغبتهم في البحث عن هوية المفقودين من أثيوبيا الذين أعدم تنظيم الدولة عددا منهم، اتفقنا مع الوفد الأثيوبي على الرجوع لأثيوبيا، لأخذ عينات من أسر المفقودين.
لكن الوفد الأثيوبي قال خلال الزيارة إنهم أحضروا العينات ولكن ليس لكامل العدد؟
لا صحة لذلك، نحن لم نستلم منهم عينات، وليس هذا سياق العمل، نحن لا نملك معملا لاستلام العينات، نحن اتفقنا على البحث عن معمل محايد، على أن يجهزوا هم عينات المفقودين، ونكون نحن قد جهزنا عينات الجثث الموجودة لدينا والتي تخص “الأقباط الأثيوبيين”، القضية من 2015م أي منذ 5 سنوات، وهي تحتاج إلى شغل علمي دقيق، الجديد أننا في المدة المقبلة سنتواصل مع الوفد الأثيوبي، وسنواصل المشاورات الفنية، والتعرف على ما اذا كانوا قد أنجزوا عينات الجثث من عدمه ونحدد المعمل المحايد للدخول في المرحلة التالية.
هذه ليست المرة الأولى التي تتعاملون فيها مع ضحايا تنظيم الدولة، إذ تعاملتم مع جثت 21 قبطياً قتلهم التنظيم أيضاً، أليس كذلك؟
صحيح، هذه المرة الثانية، تعاملنا في المرة السابقة مع جثث الأقباط المصريين، وكان عددها 20 جثة، عملنا عليها لعدة أشهر، بمعاونة جهاز المباحث الجنائية، وتم أخذ العينات وعمل تشريح لبقايا الجثامين وتصويرها بالكامل، وتم تسليمها ثم تم نقل العينات لمصلحة الطب الشرعي في مصر، وتم عمل البصمة الوراثية، تلاها تسليم الجثامين بالكامل وعددها 20 جثمانا للسلطات المصرية بعد التعرف عليهم بالاسم، وكانت لمسة تعاون بين جهاز الطب الشرعي في مصر وليبيا، وبين المباحث الجنائية والنيابة في البلدين.
على ذكر تنظيم الدولة، عدد لا بأس به من جثث قتلى التنظيم وضحاياه أيضاً لا تزال محفوظة بثلاجات الموتى في مصراتة ولم يتم تسليمها حتى الآن، فما السبب؟
حقيقة لا أعلم عن ذلك، بإمكانك سؤال المسؤولين في جهاز المباحث الجنائية والمسؤولين عن الجثث.
ماذا عن أبرز الملفات التي ستكون محل اهتمامكم في قادم الأيام والأشهر؟
قادم الأيام يجب أن ننجز ملف الأقباط الأثيوبيين، كذلك المهمة التي تنتظرني وهي شغلي الشاغل تدريب الأطباء الشرعيين الليبيين، لأن الحقيقة المهمة كبيرة، ولا بد أن نوجد في كل مدينة وكل مستشفى جامعي قسما للطب الشرعي يوفر على الناس التعب ونقل الجثامين، وحتى في الظروف الحالية للأزمات والحروب والصراعات، على الأقل أن فإن الطب الشرعي يقدم نوعا من الخدمة الإنسانية في الكشف عن الجثامين، يقدم نوعا من العزاء والسلوى لأهل المتوفي يمكنّهم ذلك من دفن الجثامين.
نتمنى أن تلوح في الأفق بوادر الازدهار والأمان في ليبيا بحيث يكون في أقرب وقت إمكانيات قيام جهاز أو مصلحة للطب الشرعي بحيث يتولى إصلاح الطب الشرعي والنهوض به أسوة بكل الدول المجاورة.