في 12 يناير الماضي أعلنت في لييبا هدنة ووقف لإطلاق النار بمبادرة تركية روسية، وقعت على إثرها حكومة الوفاق في موسكو على الاتفاق، في حين تهرّب حفتر من التوقيع، ورغم إعلان المسماري قبولهم للهدنة إلا أن ميليشات حفتر لم تلتزم بوقف إطلاق النار.
جاء بعد ذلك مؤتمر برلين ليعتمد ثلاثة محاور للحوار، سياسي وعسكري واقتصادي، وشكلت اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” المختصة بمناقشة تدابير وقف إطلاق النار، وخطوط التماس بين الطرفين لتثبيت الهدنة وجعلها دائمة.
حكومة الوفاق التزمت بوقف إطلاق النار، في حين استمرت ميليشات حفتر في قصف الأحياء السكنية والمرافق العامة للدولة رغم اعتماد مجلس الأمن مؤخرا لمخرجات برلين تحت القرار 2510، آخرها استهداف ميناء طرابلس البحري مرتين، مما أسفر عن مقتل 3 مدنيين، وجرح 5 آخرين، وجعل المؤسسة الوطنية للنفط تخلي ناقلات الوقود.
وأعلن الرئاسي إثر استهداف الميناء تعليق مشاركته في الحوار العسكري في جنيف حتى يضع المجتمع الدولي حدًّّا لهذه الانتهاكات.
وقد اختلفت آراء المراقبين حول بيان الرئاسي، فمنهم من طالب الجيش الليبي بالتقدم وعدم الاكتراث بالهدنة طالما أن الطرف الآخر لا يبالي بها، خاصة أن استهداف المدنيين بات أمرا طبيعيا ومعتادا لدى حفتر، ومنهم من طالب السراج بإجراء جولة مكثفة والمطالبة بإجراءات صارمة بحق مخترقي الهدنة.
خطوة جيدة
عضو مجلس النواب سليمان الفقيه رأى في تعليق المجلس الرئاسي المشاركة في محادثات لجنة 5+5 ـ خطوة جيدة رغم تأخرها.
وأضاف الفقيه، في تصريح للرائد، أن حفتر مُصرّ على الحل العسكري، فمن غير المنطقي وجود أي حوار، سواء أكان سياسيا أو عسكريا أو اقتصاديا، في ظل استمرار القتال، لافتا إلى أن خروجه في 14 من فبراير الماضي الذي يوافق اليوم الذي أعلن فيه انقلابه يؤكد إصراره على الحل العسكري.
وأشار الفقيه إلى أن الأزمة الحقيقة في ليبيا تكمن في وجود حفتر، وباختفائه تنتهي الأزمة، فلا توجد أزمة اقتصادية ولا اجتماعية ولا عسكرية حتى، موضحا أن الهدف من الحوار خلخلة التماسك السياسي في غرب ليبيا، ومحاولة دعم حفتر بهذه الخلخلة، والوصول إلى محاولة تغيير أو عبث آخر.
لغة السلاح
ورأى عضو المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن الشاطر، أن تعليق المجلس الرئاسي لمشاركته في محادثات لجنة 5+5 خطوة في الطريق الصحيح.
وأضاف الشاطر، في تصريح للرائد، أنه لا يجب أن يُكتفى بهذه الخطوة؛ لأن المعتدي لا يفهم ولا يستعمل إلا لغة السلاح والقتل والتدمير، مؤكدا أن المطلوب من الرئاسي الآن هو العمل بأقصى سرعة على إلحاق الهزيمة “بمجرم الحرب” وميليشياته، فأيُّ تأخير في إصدار التعيلمات للمرابطين على تخوم طرابلس للتحول من الدفاع إلى الهجوم مضيعة للوقت وسماحٌ لحفتر بالتغول على طرابلس وتدميرها.
غير كافٍ
المحلل السياسي فرج دردور بدوره عدّ بيان الرئاسي خطوة جيدة لكنها غير كافية؛ لكونه لا يصد العدوان، وبرأيه فلم يعُد أمام الرئاسي إلا خيار واحد وهو أمر قواته وجيشه بالتقدم.
وقال دردور، في تصريح للرائد، إنه يجب تعليق كل أشكال الحوار، وإعلان الخروج من نتائج مؤتمر برلين، ورفض محاصرة الاتحاد الأوروبي لتدفق السلاح لحكومة الوفاق الذي هو نتيجة لضغط فرنسي.
الكرة في ملعب المجتمع الدولي
من جهته، قال المحلل السياسي عبد المجيد العويتي، إن على رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج وضع الكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي، وتوضيح الظروف الحقيقية التي تعيشها العاصمة، وإبراز الخروقات التي يصر حفتر على صنعها، خاصة بعد أن رمى المجتمع الدولي الكرة في ملعب طرفي الحرب بفتح حوارات لا طائل منها.
وأضاف العويتي، في تصريح للرائد، أن على السراج ووزراء خارجيته وداخليته القيام بجولة مكثفة على عواصم صنع القرار الدولي والمهتمة بالشأن الليبي وإحراجهم أمام الكاميرات بعد التزامهم بما اتفقوا عليه في برلين، خاصة أنهم يخفون دعمهم لحفتر ويعلنونه للوفاق.
واعتبر العويتي، أن تعليق المشاركة رد فعل طبيعي على استمرار انتهاك حفتر ومليشيات وقف إطلاق النار بل وتعمده ذلك بضربه جهارا مناطق غير عسكرية كأنه يتحدى بذلك العالم؛ لذلك فمن غير المجدي عمليا الاستمرار في أي حوار معه.
التخاذل الدولي
وأكد الكاتب والمحلل السياسي علي أبوزيد، أن هذه الخطوة جيدة في الرد على التخاذل الدولي اتجاه حكومة الوفاق والانحياز الأوروبي إلى معسكر الكرامة بإطلاق عملية عسكرية في مياه المتوسط هدفها حصار الوفاق ومنع الدعم عنها.
وأضاف أبوزيد أن الحكومة مطالَبة اليوم بمزيد من الدعم للجبهات، والاستعداد لمرحلة إنهاء العدوان بعد أن نجحت في صده، والإسراع بإعلان خطتها الاقتصادية لتقليل أضرار إقفال النفط التي يلزم أن تصحبها إصلاحات تشمل التركيبة الحكومية التي أثبتت أغلب وزاراتها أنها ليست في مستوى الأزمة.
قرار صائب
واتفق المحلل السياسي أحمد الروياتي مع سابقه على أن هذا القرار صائب في هذه الفترة تحديدا، خاصة بعد الهجوم على ميناء طرابلس البحري، وإعطاء الفرصة الكافية لمحاولة إيجاد صيغة دولية لتنفيذ مشروع إيقاف العمليات الحربية بشكل واضح وجريء من طرف الكرامة.
وقال الروياتي، في تصريح للرائد، إن قرار الرئاسي هو خيار دبلوماسي وسياسي لبعث رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأننا متنصلون أيضا من موضوع الهدنة، وإذا لم يلتزم بها طرف حفتر فعليكم الاضطلاع بمسؤولياتكم في تنفيذها للذهاب للتسوية السياسية أو إلى ما بعد اجتماع اللجنة العسكرية “5+5”.
ويبقى السؤال أين دور المجتمع الدلي الذي أصدر قراره في مجلس الأمن بوقف إطلاق النار وإلزام كافة الأطراف بالتهدئة ومعاقبة من يخترق وقف إطلاق النار.