على ماذا ستحصل روسيا من الهدنة في ليبيا؟» هكذا تساءل الكاتب الروسي، بيتر أكوبوف، في مقال بإحدى الصحف الروسية قبل أن يسارع ويجيب أن «مفاوضات موسكو بشأن ليبيا تعني الاعتراف بعودة روسيا إلى الشرق الأوسط لاعبا رئيسيا، فمن خلال الجمع بين الدبلوماسية والقوة العسكرية تمكنت روسيا من كسب ثقة أطراف متعددة في المنطقة، في المقابل تعجز أمريكا عن تحقيق نتيجة مماثلة إلا عبر فرض العقوبات أو القتل.. أو المؤامرات».
هكذا كانت هذه اللغة الفخورة لكاتب قادر أن يصدع في بلده برأي كهذا، دون السياسيين، قبل أن يخذل حفتر الدبلوماسية الروسية ويغادر موسكو دون أن يوقع على وقف لإطلاق النار مع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج وما كان سيفتحه ذلك من بارقة أمل أمام انطلاق عملية تسوية مهما بدت صعبة ومعقدة.
ومع أن الكاتب رأى أن بلاده «لا تدعم حفتر وحده، لأنها تعترف أيضا بحكومة طرابلس، وأن فلاديمير بوتين التقى رئيس الوزراء الليبي رسميا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي عندما حضر الأخير قمة سوتشي الروسية ـ الإفريقية، بينما لم يعقد بوتين لقاء واحدا مع حفتر، رسميا وعلنيا على الأقل، وهذا يعطي موسكو الفرصة للحفاظ على مسافة واحدة من أطراف النزاع والعمل كوسيط مقبول داخليا وخارجيا»، فإن ذلك لم يشفع لروسيا إذ حرمها حفتر من كسب دبلوماسي كبير كانت تخطط له مع تركيا.
وقبل أن يجهض حفتر هذا الأمر، كان هناك كاتب روسي آخر هو ألكسندر جاسيوك، يعنون مقاله بما يشبه اليقين بأن «هناك تقدما بشأن ليبيا» مفتخرا هو الآخر بأن «كل الاجتماعات السابقة لخليفة حفتر وفائز السراج لم تنجح رغم أن الاتفاقيات التي تم التوصل إليها»، معتقدا أن الاستثناء سيحصل في موسكو وسيسجل في رصيدها. مضى الكاتب في سرد محطات الفشل السابقة فكتب «حدث هذا في فرنسا وإيطاليا في أيار/مايو وتشرين الثاني/نوفمبر الماضيين، والمحادثات المباشرة التي تمت في شباط/فبراير 2019 بين قادة الجيش الليبي وحكومة الوفاق الوطني في الإمارات لم تحقق أي نتائج، بينما كان العمل التحضيري الذي تم القيام به لتنظيم جولة موسكو للمحادثات بين السراج وحفتر، مثيرا للإعجاب والاهتمام»… لكن بات على الكاتب الآن أن يضيف محطة موسكو كذلك التي ما كانت لتجازف بدعوة كل من السراج وحفتر لو علمت أن هذا الأخير سيخذلها.
الأنظار الآن ستتجه إلى تركيا وإذا ما كانت ستسرع في تنفيذ قرارها بالتدخل، أو على الأقل توجيه ضربة محدودة لقوات حفتر، قد تجبره على ما تهرب منه في موسكو
ما كان يبعث موسكو على التفاؤل قبل أن يخيب مسعاها، مؤقتا على الأقل، أن الرئيس بوتين أجرى قبل يومين فقط من اجتماعات موسكو الأخيرة محادثات هاتفية مع الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الإيطالي وأمير قطر وولي عهد أبو ظبي والتقى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. وبالتوازي، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فائز السراج في اسطنبول يوم 12 كانون الثاني/يناير، كما تم دعم وقف إطلاق النار علنا من جيران ليبيا مثل مصر والجزائر و«لهذا وضعت المشاورات المكثفة التي عقدتها موسكو الأساس لمفاوضات ناجحة» كما استنتج الكاتب.
لا أحد يدري الآن ما الذي ستفعله موسكو ردا على هذه النكسة، وحتى الإهانة، من شخص كثيرا ما اتهمت بدعمه على الأقل من خلال مقاتلي شركة «فاغنر» الخاصة التي ما كانت لتفعل ما فعلت دون ضوء أخضر من الكرملين بشكل أو بآخر. كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حول غياب «نتيجة نهائية» من مساعي بلاده في ملف ليبيا وتأكيده على «مواصلة الجهود» مع أنقرة بالكاد يخفي مرارة روسية لا يعرف كيف ستتصرف بمقتضاها في الأيام القليلة المقبلة، خاصة في مؤتمر برلين في التاسع عشر من هذا الشهر والذي ستشارك فيه دول نافذة بدرجات مختلفة في الملف الليبي هي تركيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا وإيطاليا ومصر والجزائر والإمارات العربية المتحدة.
في المقابل، بدا أردوغان أكثر استياء وغضبا من نظيره الروسي الذي كتم غيظه، فقد هدد حفتر «بتلقينه درسا» إذا ما استأنف هجماته ضد حكومة الوفاق الوطني بعد رفضه توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، وهو أمر قد يعيد الملف برمته إلى التوتر الذي أعقب قرار تركيا بالتدخل العسكري في طرابلس، والذي كان يعتقد أن التحرك الدبلوماسي الأخير لروسيا إنما جاء للحيلولة دون وقوعه عبر التوصل إلى اتفاق يعطي نكهة إيجابية لمؤتمر برلين قبل أن يسقط كل شيء في الماء، حتى إشعار آخر.
لا أحد بإمكانه أن يجزم ما الذي لم يعجب حفتر بالضبط في المبادرة الروسية التركية التي حصلت على نصها وكالة الأنباء الفرنسية وهي التي تدعو لتطبيق «وقف غير محدود للأعمال العدائية» في ليبيا وتطبيع «الحياة اليومية في طرابلس والمدن الأخرى» وإتاحة توزيع المساعدة الإنسانية «بكل أمان»… لكن الأنظار الآن ستتجه إلى تركيا وإذا ما كانت ستسرع في تنفيذ قرارها بالتدخل، أو على الأقل توجيه ضربة محدودة لقوات حفتر، قد تجبره على ما تهرب منه في موسكو، خاصة إذا أيقن أن داعميه عاجزون على مواجهة عسكرية مباشرة مع تركيا، في الوقت الذي لا قِبل له بذلك، طبعا، حتى وإن استمر داعموه في دعمه