أشرس وأقوي المعارك لم تبدأ بعد، فهي لا يمكنها أن تعمل تحت أصوات الرصاص، ولكنها حتما ستنطلق عندما تصمت المدافع، إنها معركة التنمية الاقتصادية.
البناء وإعادة البناء الاقتصادي يترقبه الجميع، حتي المتصارعون الآن يعدون الشعب برغيد العيش بعد انتهاء الصراع المرير الدائر الآن في بلادنا.
نحن في حاجة بدون شك لإعادة هيكلة الاقتصاد، وبناء المؤسسات على أسس جديدة أساسها الشفافية المالية وشفافية الملكية وشفافية المنافسة والشفافية التنظيمية.
الشفافية المالية تكون بتطبيق قواعد محاسبية ومالية متعارف عليها وتنعكس في الإفصاح الدوري عن نتائج نشاط المؤسسات، أما شفافية الملكية فهو أمر معقد في ليبيا و يعمل بضوابط في حاجة للمراجعة؛ بسبب التحايل عليها من أصحاب الشركات أو المساهمين بها، فالقوانين واللوائح والقواعد التنظيمية تضع حدا لسقف التملك سواء بالمصارف أو الشركات الأخري المساهمة، وجلها جري التحايل عليها وبشكل يتسق مع القانون عبر التنازلات عن الملكيات لدي محرري العقود، الأمر الذي احتاطت له العديد من الدول و اشترطت بالقانون أن نقل الملكيات يجب أن يكون صريحا وعبر آليات سوق المال حتى وإن كانت الشركات المساهمة غير مدرجة بالسوق، ونظمت عملية الاستحواذ بشكل قانوني عبر الإفصاح عن عمليات الاستحواذ الجزئي والكلي بما يمكن من حماية الأطراف الأخري مثل صغار المساهمين، بل ذهبت التطبيقات في مسائل الملكية إلى أفراد تصنيف خاص بالمجموعات المرتبطة من الملاك والمساهمين بضرورة أن تفصح عن ارتباطها واشتراك مصالحها أمام الجميع.
وفيما يتعلق بشفافية المنافسة فهي آلية لا يمكن تطبيقها في ظل وجود أي نوع من الحماية الجبائية أو الدعم بمختلف أشكاله لمنتجات أو سلع تقوم بإنتاجها جهات تملكها الدولة أو تساهم فيها وتعتبر ملكية عامة، فشفافية المنافسة تتطلب مراقبة ومنع احتكار السوق والتي يربكها وجود قانون الوكالات مثلا والذي مع التوجه لاقتصاد تنافسي وحر قد يكون في حاجة لمراجعة مستقبلا وإلغاء الحصرية في التوريد للسوق المحلي أو إعادة التصدير.
فيما يخص الشفافية التنظيمية فهي تتعلق بدور الجهات التنظيمية مثل وزارة الاقتصاد والتي أقحمت في عملية التملك و الإشراف على قطاعات اقتصادية إنتاجية وخدمية وطوقت عنقها بأدوار لم تتمكن ولن تتمكن في المستقبل من القيام بها كالرقابة على الأسعار والتسعير الجبري وربط بعض أنواع أدوات النشاط الاقتصادي بموافقات وبيرقراطية عقيمة كالشركات المشتركة وفروع الشركات الأجنبية، فهذه الجوانب التنظيمية في حاجة لمراجعة شاملة.
إعادة الهيكلة للاقتصاد المستقبل الليبي لا يجب أن يقتصر كما يطرح من البعض الآن في مشروع إصلاحات اقتصادية متعلقة بالدعم وسعر تقييم الدينار ونقف عند ذلك، فالمراجعة يجب أن تكون شاملة ومنظمة ومخطط لها في كافة جوانبها.
تعديل السياسات الاقتصادية أمر بالغ الأهمية وينتج آثارا اقتصادية تعالج الخلل الموضعي في الاقتصاد، ولكنها ستكون قاصرة عن الوصول إلى توظيف حقيقي للاقتصاد وتساعد على تحقيق مستهدفات تنموية أساسية، فهي ربما تحل أزمة السيولة مثلا، وتحفظ الأسعار، ولكنها لن تعيد تنظيم وتأهيل دور القطاع المصرفي في تفعيل عجلة الاقتصاد، ولن تمكن من أن يلعب القطاع الخاص دورا محوريا في الاقتصاد الوطني بالشفافية المطلوبة.
اقتصاد ليبيا في حالة إعاقة وعدم قدرة
على الحركة، وفي حاجة لإعادة تأهيل منظم ومتدرج طويل الأمد ، نأمل أن يقف قريبا
صوت الصراخ وأن تحل محله أصوات الأقلام التي ترسم مسارات واعدة لليبيا واقتصادها.
المصدر: صحيفة اقتصاديات