تعليقا على تحضيرات مؤتمر برلين أعلن عضو في مجلس نواب طبرق رفضهم مشاركة قطر وتركيا في المؤتمر ورفضهم حضور أي تمثيل للدولتين في الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر.
التصريح يكشف موقفا سياسيا واضحا ومعروفا لدى النواب في طبرق باعتبارهم امتدادا داخل المشهد السياسي الليبي للمواقف السياسية المصرية والإماراتية والسعودية من قطر وتركيا وغيرهما، و يعكس في الوقت نفسه قصورا لدى النائب في ترتيبات مؤتمر برلين حول أزمة ليبيا والتصور الألماني والدولي للتعاطي معها؛ لأن المشاركة سوف تقتصر على الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، و الدول المعنية بالأزمة بحكم أمنها ومصالحها. “ألمانيا، إيطاليا وتركيا”. والمنخرطة فيه لأسباب تتجاوز المصالح الأمنية أو الاقتصادية إلى إجهاض عملية التحول نحو الزمن الديمقراطي. “الإمارات، مصر، والسعودية”. ولم تشارك قطر في الاجتماعات التمهيدية للمؤتمر، ما يعني أنها غير متدخلة في الصراع أو أن مستوى تدخلها لا يؤهلها للعب دور في أي تسوية محتملة.
الدول الكبرى باستثناء الصين منخرطة في الصراع بدرجات متفاوتة، إذ تصطف فرنسا وروسيا إلى جانب حفتر، كما تسانده بعض الأطراف في إدارة الرئيس الأمريكي “ترمب”، أما حكومة الوفاق فليس لها ظهير دولي رغم الاعتراف بها من الأمم المتحدة، و بعد هجوم حفتر على طرابلس حصلت على دعم من تركيا.
عشرة دول فقط إذًا هي من ستشارك في مؤتمر برلين، إلى جانب ممثلين عن الاتحاد الأوربي والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، ورغم مطالبة رئيس حكومة الوفاق بإشراك دول الجوار الليبي كالجزائر و تونس إلا أنه ليس ثمة إشارة من الدولة المضيفة لتوجيه المزيد من الدعوات وتوسيع المشاركة.
التحضيرات للمؤتمر بدأت منذ سبتمبر الماضي عقب إعلان المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” أمام البرلمان الألماني عزمها تنظيم المؤتمر؛ تداركًا “لوضع يتطور في ليبيا، وقد يتخذ أبعادا مثل التي شهدناها في سوريا، وعلينا بذل الجهد لضمان عدم تصعيد الوضع إلى حرب بالوكالة”.
هذا التصريح هو خط البداية لماراثون المؤتمر، لتنطلق بعده الدبلوماسية الألمانية في عقد الاجتماعات التحضيرية بحضور ممثلين عن الدول العشرة، و لم تضرب الحكومة الألمانية موعدا محددا للمؤتمر، وذكر السفير الألماني في ليبيا “أوليفر أوفكزا” في سبتمبر الماضي أن المؤتمر سيعقد في الخريف، و لكن تصريحات أخرى من الخارجية الإيطالية حددت نهاية العام. مسؤول شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الإيطالية “لوقا جوري” قال :” قمة برلين تنطلق عندما تكون الظروف ناضجة”، عدم نضج الظروف يعني أن الخلافات ما تزال واسعة وعميقة بين أطراف الصراع الدولي والإقليمي داخل الملعب الليبي.
كل التصريحات حول المؤتمر من المسؤولين الألمان و الطليان ووزير الخارجية الأمريكي تحدد هدفا واحدا للمؤتمر هو خفض حدة الصراع، عبر إلزام الأطراف الخارجية المنخرطة فيه بالالتزام بحظر توريد السلاح إلى ليبيا تمهيدا لوقف القتال، وهذا الهدف يحتاج بالفعل إلى التزام حقيقي من الدول التي ساندت حفتر في مغامرته الدموية، ولكن هذا الالتزام يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن وضغط حقيقي من الإدارة الأمريكية على حلفائها في المنطقة.
لن يذهب المؤتمر في بحث التسوية السياسية بين الليبيين، ولن يتعدى الأمر لازمة تتكرر في كل البيانات بأنه لا حل عسكريا للأزمة، ولا بد من العودة للمفاوضات السياسية، فالهدف الواضح للألمان بشكل خاص والأوربيين بشكل عام، هو خفض حدة الصراع وتجنب التصعيد لمنع تطور الصراع إلى حرب بالوكالة من شأنها أن تزيد الفوضى في المنطقة فتعود الهجرة غير القانونية نحو أوربا إلى معدلاتها السابقة، وتوسع الجماعات المتطرفة وعصابات التهريب من نشاطاتها، وقد يمتد الصراع إلى تعطيل النفط.
أسباب الحماس الألماني تجاه الأزمة الليبية مفهومة، وقد ذكرتها “ميركل” في خطابها أمام البرلمان بشكل غير مباشر، فألمانيا اليوم هي المسؤول السياسي الأول في الاتحاد الأوربي بعد قرار بريطانيا مغادرة الاتحاد واستغراقها في آلية المغادرة وتبعاتها، كما أن دخول روسيا على خط الأزمة الليبية مقلق لأوربا وسيكون من أهم دوافع الأوربيين للعمل بشكل موحد، “ميركل” ذكرت في حديثها التمدد الجيوسياسي لروسيا كأحد التحديات أمام الاتحاد الأوربي، وعندما تشير إلى سوريا فهي تعني قضية الهجرة، فتطور الصراع في سوريا دفع بملايين السوريين إلى أوربا، وقد استخدمت تركيا الملف بمهارة لفرض شروطها على الأوربيين، وهو سيناريو قابل للتكرار إذا واصلت روسيا توغلها في ليبيا وأحكمت قبضتها على ملفي الهجرة و الطاقة.
اعتاد الألمان على التخطيط الجيد والتحضير المتأني في كل شؤون الحياة لحصد أفضل نتائج ممكنة، وتحضيراتهم لمؤتمر برلين تبدو بطيئة لكنها واثقة، والتحديات التي عليهم مجابهتها إذا تطور الصراع تدفعهم إلى بذل المزيد من أجل إقناع أطراف الصراع الأوربي والإقليمي بالتوقف عن تأجيجه بوقف تصدير الأسلحة، ومواصلة الضغط على حلفائهم بليبيا للعودة إلى العملية السياسية. لقد حققوا بعض النجاح بتقريب وجهات النظر بين فرنسا وإيطاليا كانت ثمرته بيان مشترك إيطالي فرنسي على هامش الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن الوصول إلى تحقيق الهدف النهائي يحتاج إلى دعم أمريكي لا يمكن ضمان الحصول عليه من إدارة أمريكية مرتبكة ومترددة و يتراجع دورها في كل القضايا الدولية.