التنظيم الموازي ومعضلة الوجود القانوني ..
مفهوم الكيان أو التنظيم الموازي، وهو مصطلح قام بصياغته المؤرخ الأمريكي روبرت باكستون لوصف أي مجموعة أو تنظيم أو مؤسسة تشبه، إلى حد ما، الدولة في تنظيمها وإدارتها وهيكلها، ولكنها ليست جزءا من الدولة أو الحكومة.
تقوم هذه التنظيمات بالعمل السياسي وتؤسس لاقتصادها الخاص وتنشئ المدارس والمستشفيات والنوادي الرياضية، وتؤسس مؤسسات إعلامية وتقدم خدمات اجتماعية وخيرية ولربما يكون لها كيانات أمنية وعسكرية أو تنخرط في مؤسسات الدولة، ولربما يغلب الولاء للتنظيم بدلا من الولاء للدولة.
الدولة الوطنية الحديثة نظمت العمل السياسي من خلال قانون للأحزاب وآخر لمؤسسات المجتمع المدني، من خلاله يتم إنشاء مؤسسات للتوعية والمطالبة بالحقوق والعمل الخيري، كما أن هناك تشريعات للعمل الاستثماري وأخرى للعمل الرياضي وغيرها.
كما يتخلى المواطن والمجموعات السياسية والعرقية التي تنتمي إلى هذه الدولة الوطنية الحديثة، عن ممارسة استيفاء الحق بالذات من خلال احتكار العنف لصالح مؤسسات الدولة المنضبطة، والتي تمارس وظيفتها الرئيسية في تحقيق أمن وسلامة المواطن ومصالحه مع باقي مؤسسات الدولة وفق القانون والدستور، لا أن تكون هذه الأجهزة ألعوبة في يد الحاكم تواليه وتضمن استمراره في الحكم حتى يغادر الكرسي كرها.
تنظيم فتح الله غولن في تركيا
أنشأ فتح الله غولن النواة الأولى لجماعة الخدمة في تركيا سنة 1970. أسست هذه الجماعة أكثر من 1500 مؤسسة تعليمية و15 جامعة وانتشرت خارج تركيا، في كثير من دول العالم، ومنها ليبيا؛ إذ كانت لها مؤسسات في كل من طرابلس وبنغازي، وأنشأت مؤسسات إعلامية؛ كانت تملك ستة قنوات وعددا من محطات الراديو وصحفا تركية وبلغات أخرى، وكذلك أسست مؤسسات طبية وثقافية وإغاثية، كما أسس هذا التنظيم مؤسسات اقتصادية منها بنك آسيا.
وبالرغم من أن هذا التنظيم يتبنى مفهوما غير مسيس للدين، إلا أنه وصف جماعته بأنها ”فوق السياسة” وهذا ما يفسر سلوكه السياسي من التحالف مع الأحزاب السياسية للحصول على الدعم والامتيازات والمناصب ليتحقق له التغلغل في مؤسسات الدولة، كما تجيز أدبيات غولن فكرة التخلي عن بعض العبادات والشعائر لإخفاء هويتهم، حتى لا يتم استبعادهم من أجهزة الدولة، خاصة الجيش والشرطة من أجل التغلغل والنفوذ(1).
الإخوان في مصر والأردن – معضلة الشكل والوجود القانوني
قام الإخوان في كل من مصر والأردن بإنشاء مؤسسات دعوية وإعلامية وتعليمية وصحية وأسسوا العديد من الاستثمارات، ومارسوا العمل الإغاثي والتطوعي من خلال هذه المؤسسات لتقديم هذه الخدمات المختلفة، وذلك في الغالب من خلال تنظيم جماعة الإخوان المسلمين التي رخص له في بداية نشأتها، ثم جاءت التعديلات الدستورية والقانونية المانعة لمثل هذا الترخيص، ولم تقم الجماعة في الدولتين بتصحيح وضعها القانوني مما جعل هذا الأمر محل جدل ونقاش وجد طريقه إلى قاعات المحاكم والمنصات الإعلامية.
كيف تأسست جماعة الأخوان في مصر والأردن؟
حينما أسس الأستاذ حسن البنا جماعة الإخوان في مصر عام 1928 كانت مسجلة كهيئة إسلامية شاملة وفق الدستور، فكانت الجماعة هيئة دعوية وتربوية واجتماعية وتنشئ شركات وتشارك في العمل السياسي، ثم حدث الصدام الشهير بين الجماعة والنظام الناصري في ذلك الوقت عام 1954، وحلت الجماعة وتم تغيير الدستور، والنصوص القانونية المنظمة للحياة العامة، وأصبح الدستور والقانون لا يسمحان بالنشاط العام إلا من خلال شكلين؛ إما حزب سياسي وفقا لقانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977، وإما جمعية خيرية تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية وفقا للقانون رقم 32 لسنة 1964، وبالتالي أصبحت عودة الجماعة بالشكل القديم أمرا مستحيلا بحكم القانون، وعلى ذلك كان يجب حسم قضية أي الأشكال أنسب لعودة نشاط الجماعة هل هو حزب سياسي يتم إنشاؤه وفق قانون الأحزاب، أو جمعية خيرية دعوية إصلاحية يتم تأسيسها وفق قانون الجمعيات؟
بعد تولي الرئيس السادات للحكم في مصر عرض على الجماعة العودة من خلال تأسيس حزب بغير اسم الإخوان المسلمين وإبعاد رجال الجهاز الخاص عنه، ولكن القيادات الموجودة في ذلك الوقت -وأغلبها من رجال الجهاز الخاص- رفضوا هذا العرض وتمسكوا باسم الجماعة (حسب رواية المرحوم محمد عثمان إسماعيل نفسه لأبو العلاء ماضي قبل وفاته ببضعة أشهر)، فوافق الرئيس السادات على العمل الضمني دون رخصة وفق سياسة الضوء الأخضر، ولم تسع قيادات الجماعة في مصر سعيا حقيقيا منذ ذلك التاريخ حتى الآن لحل هذه المشكلة -مشكلة الوجود القانوني- مكتفية بالرد على من يطلب منها ذلك من أفراد الجماعة بأن هناك قضية مرفوعة في مجلس الدولة (القضاء الإداري) يطالب فيها الإخوان بالحكم ببطلان قرار حل الجماعة الصادر عن مجلس قيادة الثورة عام 1954، بدلا من إعادة توفيق الأوضاع وفق القوانين الجديدة، إما التقدم بحزب أو جمعية، فهو أمر كان متاحاً(2).
وبعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك رفض الإخوان دعوات تسوية وضع الجماعة القانوني، واختاروا المزج بين العمل الدعوي والسياسي رغم تأسيس حزب الحرية والعدالة، الذي ظل ذراعا للجماعة، غير مستقل القرار عنها.
أما في الأردن فقد نشأت جماعة الإخوان المسلمين عام 1946 ومارست عملها في المجالات المختلفة واستمرت في ممارسة نشاطها، المتعدد في كافة المجالات السياسية والدعوية والاقتصادية، حتى بعد صدور قانون الجمعيات الخيرية في 1953، حيث عادت الجماعة وسجلت نفسها كجماعة وليس كجمعية بعد صدور قانون 1953 بقرار من مجلس الوزراء.
اعتبرت الدولة أن الجماعة منحلة حكما بعد صدور قانون الجمعيات الخيرية وطالبتها بتصويب وضعها القانوني وهذا ما فتح خلافا أخذ طريقه إلى قاعات المحاكم بين أعضاء جماعة الإخوان أنفسهم؛ فهناك من يرغب في تصويب الوضع طبقا للقانون ووفقا للنشاط؛ أي العمل السياسي من خلال حزب جبهة العمل الإسلامي والعمل الخيري والدعوي من خلال جمعية الإخوان المسلمين التي أسست عام 2015 بدلا من “جماعة الإخوان المسلمين”، لتصويب وضع الجماعة وفك الارتباط مع التنظيم في مصر(3).
لا شك أن النظرة الأولى إلى جماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن يمكن أن تلحقها بقوائم الكيانات الموازية؛ فلها أذرع إعلامية تقوى وتضعف حسب الإمكانات والظروف، ولها استثمارات، ولها مؤسسات عمل خيري.. لكن هذا لا يكفي بالرغم من أنها فشلت في تسوية أوضاعها القانونية وأصرت على الترخيص الذي صدر لها عند النشأة، لكن أجهزة الدولة ترى أنها تنظيم موازٍ لها، في حين أنها ترفض هذا الوصف وتتمسك بترخيصها عند التأسيس إلى أن يفصل القضاء.
===================================
1) موقع الجزيرة نت، جماعة غولن.. الكيان الموازي، 11 مايو 2015.
2) أبوالعلاء ماضي، الحالة التنظيمية لحركة الإخوان المسلمين، موقع الجزيرة نت.
3) أنس زكي، الإخوان في الأردن: إشكال قانوني أم تصعيد سياسي؟، موقع الجزيرة.نت.
عضو المجلس الانتقالي السابق عبد الرزاق العرادي