تدخل النائبة بمجلس النواب الليبي سهام سرقيوة يومها التاسع دون أن يُعرف مصيرها، بعد اختطافها من منزلها في مدينة بنغازي من قبل ميليشيا مسلحة تتبع “خالد حفتر” ابن قائد عملية الكرامة “خليفة حفتر”، حسب وكالة CNN الأمريكية.
اختطاف سرقيوة أثار جدلاً واسعاً وإدانات محلية ودولية على كافة الأصعدة رافضة للاختطاف ومطالبة بإخلاء سبيلها.
ومع ذلك فاختطاف النائبة سرقيوة لم يكن من ضمن اهتمامات بعض الحقوقيين، كالحقوقية والكاتبة “عزة المقهور” والحقوقي “عبد الحفيظ غوقة” الذين لطالما تغنيا بالدفاع عن حقوق الإنسان والعيش الكريم، والدفاع عن حرية التعبير في وقت لم يكن فيه أي تكميم للأفواه أو قمع للحريات، ما يضعنا أمام حقيقة أن حقوق الإنسان والحقوقيين في شرق البلاد لا يتقنون الحديث عن هذه الأمور حينما يتعلق الأمر بـ”حفتر”.
أسماء بارزة وسقوط مدوٍّ
فقد استنكر “عبد الحفيظ غوقة” التفجير الإرهابي الذي طال المعسكر الأمنى بمدينة زليتن في يناير عام 2016، واضعاً تساؤلات عن الجهات الأمنية المسؤولة عن تأمين المنطقة الغربية.
دفاعه عن الحقوق وتساؤلاته الفذة التي يخرج ويصرح بها يميناً ويساراً عبر القنوات الداعمة لعملية الكرامة كلَّ ما حدث حادث في الغرب، اختفت تماماً رغم تعرض بنغازي لأكثر من 10 عمليات تفجير منذ عام 2017 ـ كما صرح الناطق باسم قوات الكرامة أحمد المسماري قبل أسبوع ـ بالإضافة للاعتداء المسلح الذي تعرضت له عضو مجلس النواب سهام سرقيوة واقتيادها لمكان مجهول.
أما “عزة المقهور” التي لطالما عرفت بعلو الصوت، خصوصاً فيما يحدث في طرابلس، ولعل قصتها المعنونة بـ”موجلي وشيريخان” التي نشرتها عبر موقع “ليبيا المستقبل” لا تزال عالقة في أذهان المؤيدين لحفتر والباحثين عن أي تبرير يجعلهم متمسكين برأيهم.
صوت عزة بُحّ منذ كتابتها لتلك القصة إلا من قصة قصيرة تحدثت فيها عن الجريمة والقتل والخطف الذي يحدث في طرابلس التي وصفتها في أحد سطور قصتها بـ “الغابة”، هذا الصوت نفسه غاب غيابا كاملا عما يحدث في بنغازي، وآخرها السكوت عن اختطاف سرقيوة، وقبلها الجثث الملقاة في شوارع بنغازي وأشهرها “شارع الزيت”، ناهيك عن عمليات القتل أمام الجموع التي لم تستنكرها هي ولا غيرها من “الحقوقيين” في الشرق.
بنغازي قبل “الكرامة”
شهدت مدينة بنغازي خلال الأعوام الثلاث الأولى بعد ثورة فبراير، انفلاتا أمنيا متوقعا في ظل وجود العديد من الرافضين للثورة، إلا أن هذا الأمر لم يمنع الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني في بنغازي من التظاهر رفضا لهذا الانفلات.
لم يكد يمر يوم في بنغازي، آنذاك، دون التظاهر والتنديد بأعمال العنف والقتل والسرقة والانفلات الأمني في المدينة، وكانت كل الحركات سلمية وتعبر عن رأيها بكل حرية وشفافية، واتخذت أغلب هذه التظاهرات من ساحة “فندق تيبستي” مقراً لها للتجمع.
بنغازي بعد “الكرامة”
في أول ظهور له أعلن قائد عملية الكرامة “خليفة حفتر” أنه يهدف بعمليته إلى تحقيق مطالب المتظاهرين بمحاربة العنف والإرهاب والترويع في شوارع بنغازي.
وما إن حصل على تأييد الناس لعمليته حتى بدأ حفتر في قمع الأصوات ومنع التظاهر في بنغازي بحجة أن “الأوضاع الأمنية غير مناسبة” إلا أن ما كان يحدث في بنغازي يوضح الهدف من هذا القرار.
قرار منع التظاهر شمل كل شيء في بنغازي إلا شيئاً واحداً وهو “مظاهرات التفويض وتجديد الدعم لقائد عملية الكرامة” التي كان ينظمها أنصار حفتر في المدينة، لتتضح الصورة بعدها من فحوى القرار الذي لم يعترض عليه أحد، وكأن حال لسان الحقوقيين في المدينة يقول “يقمعنا من نعرفه أفضل من أن يعطينا الحرية من لا نعرفه”.
بعد أكثر من خمس سنوات على عملية الكرامة وفي شق واحد من البلاد أظهرت تقارير دولية ومحلية عدة، أن حالات القتل خارج إطار القانون وقمع الحريات والزج بمن يعارض حفتر في السجن دون محاكمة ـ في تزايد ملحوظ، إلا أن هذه التقارير لم تحرك ساكناً لدى من يدّعون “الدفاع عن حقوق الإنسان” في بنغازي، وكأن الإنسان الذي يتشجع ويقول رأيا معارضا لحكم حفتر في الشرق “ليس إنسانا”.