in

مقابلة خاصة مع الكـاتب والروائي والقاص الليبي “أحمد نصر”

· الأدب راكد بشكل لا يتصور خاصة في العشر سنوات الأخيرة

· الثقافة على مستوى ليبيا الآن لا أحد يقودها

· العمل الروائي به انفتاح، بل وانحلال أحيّاناً لا تناسب تكويني

جالساً في غرفة بمنزله أضلاعها، جدران علقت عليها شهاداتٍ تحصل عليها؛ تقديراً لإثراءه المشهد الثقافي، ومكتبة تضم دروعاً تثني على عطائه، ومئات الكتب، عاصر ولادة بعضها، ويعرف عن بعضها الآخر أكثر مما يعرفها القُرّاء الشباب اليوم، في زمن يشهد غزارة في الكتابة وعزوفاً عن القراءة.

يقول أحد أبرز أعلام السرد في ليبيا، الكاتب والروائي والقاص “أحمد محمد بن نصر” ذو الثمانية وسبعون عاماً أنه دخل الكتابة عن طريق أستاذ في معهد القويري الديني، مُنوهاً إلى أن الأدب يعاني اليوم ركوداً بشكل لا يتصور، إلا أنه لم يخفِ أنه ينتظر مولوده الجديد “سيرة غيرية” بعد أن انتهى من كتابتها، وتتناول قصة صديقين حميمين.

شبكة الرائد الإعلامية زارت “نصر” في منزله، وأجرت معه حواراً مطوّلا تحدث فيه باختصار عن مسيرة خمسة عقود فصلت بين مولوده الأدبي البكر، وآخر إصداراته، كما تكلم عن دور الأدب في النهوض باللغة، وتقييم الإنتاج الأدبي في مجال السرد، والقراءة كنشاط مجتمعي وأسباب تراجعها، فإلى نص الحوار …

نهنئك بصدور روايتك الجديدة “في زمن الحرب”، وبصفتك شاهداً على أكثر من 50 عاماً من عمر الأدب الليبي؛ نتساءل هنا هل الأدب الليبي اليوم يتفاعل مع قضاياه، وهل الأدباء والكتاب بشكل عام يقودون وعي المجتمع من خلال حراكهم، أم يمكن القول أن أيام النضال الأدبي قد ولّت؟

الأدب راكد بشكل لا يتصور، خاصةً في السنوات العشر الأخيرة إلى حد ما، فإذا نظرت إلى مجتمعنا تجد الركود في جوانب كثيرة جداً، منها الأدب والثقافة، ولعل السبب هو أن الثقافة والأدب لدينا لم يتولاه أحد من المتخصصين في هذه المجالات، الآن مثلاً من هو المسؤول عندنا في الثقافة، لا يوجد أحد، فحتى الثقافة على مستوى ليبيا الآن لا أحد يقودها، أنا أرى أن الثقافة ازدهرت في عهد وزير الثقافة الأسبق “الحبيب الأمين” ومرّد ذلك ربما لأنه من أهل الثقافة والإبداع، وخلاصة لا أقول إن أيام النضال الأدبي قد ولت؛ لأن كتابات كثير من الكُتّاب حبيسة الأدراج.

كانت لك تجربة رائدة في أدب الطفل، هل لك أن تُعرّفنا بهذه التجربة، وكيف تُقيّم أدب الطفل اليوم في مجتمعنا؟

هذه التجربة أوائل التسعينات تقريباً عندما كانت الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع في مصراته، حينما التف مجموعة من الكتّاب منهم الأستاذ “الطاهر الدويني”، وتمت دعوتي لإصدار مجلة “السنابل” وهي مجلة للطفل، صدر منها قُرابة 40 عددا، واستمرت بضع سنوات ثم توقفت عن الصدور، لكنها حققت نجاحاً كبيراً، ولا أخفِي أن الأخيرة سبب دخولي في مجال الكتابة للأطفال، أما تقييمي لأدب الطفل، فكما أسلفت الركود عام سواء في أدب الطفل، أو أدب الكبار، الكاتب يكتب، والقُرّاء وقتذاك قليلون، وإن كان الاهتمام بالأدب الليبي زاد في السنوات الأخيرة بسبب اهتمام الجامعات الكبيرة، وكثرة الدراسات في النقد الحديث، الآن بعض القُرّاء خاصة من الشباب بدأوا يقرؤون الكتاب الورقي وعزفوا عن قراءة الكتب الإلكترونية، وهي ظاهرة تبشر بخير، أما ظروف الحرب والظروف التي يعيشها الآن الشعب كله، فتؤثر على القراءة.

لا شك أن النشأة لها دورها في بناء الشخصية، هل نشأتك في بيت علم عريق كانت سبباً في حبك للغة وولوعك بالأدب، خاصة وأن والدكم الشيخ “محمد بن نصر” رحمة الله عليه كان يقرض الشعر، وما رأيكم فيمن يرى أن النهوض باللغة لن يكون إلا من باب الأدب؟

بالفعل أنا نشأت في مربوعة بها كتب، و والدي كان من علماء الدين، وكذا جدي، درست القرآن في زاوية البي في تلك الفترة، وكنت أحب المدائح وأحب قراءة البغدادي في طفولتي، لكن عندما بدأت أدرس يبدو أنني أحب الفن كل الفنون، فحينما كنت اقرأ القرآن كنت أرسم أسفل اللوح رسومات فنية، وزخارف، وعندما افتتح معهد القويري الديني، وجهني والدي للدراسة به، فلما ذهبت للدراسة بالمعهد وجدت أشياء من الفنون مما هي على هواي، منها الرسم مثلاً، برعتُ في الرسم حتى أن كراستي كانت محل فخر أساتذتي، ومن هنا يبدو أنني أحببت الفن عموماً، وأحببت السينما، كما أنني دخلت في الكتابة بسبب أستاذ في معهد القويري، إذ أسسنا بالمعهد “جمعية الكتاب” وبدأنا في شراء المجلات والكتب، وكنا ندفع رسوم اشتراك خمسة قروش لكل واحد، هذا دفعني للتعلق بالكتابة، وبعد ذلك حينما ذهبنا للإسكندرية لإكمال الدراسة هناك، كانت الروايات كثيرة ومشهورة، وخاصة الروايات الروسية في تلك الفترة أيام “جمال عبدالناصر”.

عقب إتمامي الدراسة الثانوية توجهت لإكمال الدراسة بكلية دار العلوم التي تهتم بالأدب، فكنا نكتب القصص والموضوعات الأدبية ونعرضها على أساتذتنا، لتقييمها، وبعد تخرجي من الكلية عام 1967م عدت للبلاد، وذهبت لمجلة “الروّاد” وهي أرقى مجلة لدينا، وهي دسمة ويكتب بها كتاب ليبييون معروفون أمثال “علي المصراتي” و”خليفة التليسي” كما كان يكتب بها كُتّاب عرب، أول مادة نشرت لي بالمجلة كانت “قصة قصيرة”، وقد التقيت الروائي الراحل “أحمد إبراهيم الفقيه” حينها، ونشر قصتي تحت ترويسة “أقلام جديدة” تفهمت من ذلك أنه قبلني كقلم جديد، ومنها استمررت في الكتابة في المجلات.

لا شك أن النهوض باللغة لن يكون إلا من باب الأدب، فرغم أن العمل الروائي به انفتاح بل وانحلال أحيّاناً لا تناسب تكويني، لكن حينما أصحبت أنظر للفوائد التي أقدمها للمجتمع، دخلت للأدب بضمير إصلاحي، وبنية تقديم خدمة للغة، فمثلاً نجيب محفوظ، ومن أمثاله من نشأت الأجيال عليهم قدّموا خدمة كبيرة للغة، فاللغة حينما تقرّبها للقارئ بدون تقعير أو صعوبة فأنت تنهض بها، وتقربها إلى القراء، تكون قد قدمت خدمة لها.

لكم مشاركة مميزة وخبرة طويلة في كتابة القصة والراوية والسيرة الذاتية، ولا شك أنكم تطلعون على أعمال ليبية في هذا المجال، وبعضها حاز على جوائز دولية ومحلية، ما تقييمكم لإنتاج الأدب الليبي في مجال السرد، وهل الحصول على جوائز معيار لجودة العمل الأدبي؟

تقييم الإنتاج الأدبي في العالم كله قائم على أسس وافتراضيات، وإنتاج مبهر، مثلاً حينما أفكر في زميلنا الروائي “إبراهيم الكوني” الذي يصغرني سناً وكتب الرواية بعدي، أسأل نفسي ما الذي جعله يتخطى المحلية والإقليمية ويصل للعالمية بالإنتاج، أجد الإجابة تكمن في طرقه مجالاً أحداً لم يكتب فيه، وهو مجال الأساطير لدى الطوارق، وأديانهم وكيف تكوينهم، ومجتمعاتهم الصحراوية، وهو مكان بِكر دخله وصوّره، فصار أعجوبة للغرب؛ لأنهم رأوه جديداً، الآن حينما أسمع ترشح روائي أو روائية ما لجائزة البوكر، أجد شيئاً من الغرائبية، أنا مثلاً حينما أكتب فلا أتخطى مجتمعي، علاوةً على أن كتاباتي واقعية، يجد فيها المتلقي نفسه.

على الصعيد الشخصي، بين أول رواية لي – “وميض في جدار الليل” طُبعت 3 مرات حتى الآن – وآخر رواية أكثر من 50 عاماً، وقد تقدمت للمشاركة بروايتي الأولى في أحد المسابقات التي ألغيت فيما بعد، فذهبت بعد عام لسحب مشاركتي، بعد أن تحصلت على عرض من صاحب “دار الفكر” لطباعتها وبالفعل قام بطباعتها، فأبلغني سكرتير اللجنة “أحمد إبراهيم الفقيه” بأن روايتي لا منافس لها، وأنها هي صاحبة الترتيب الأول، فطالبني بإبقائها، فأخذت قراراً بسحبها، ومنها لم أشارك في أي مسابقة.

يغلب على إنتاجكم الأدبي الأعمال السردية، ما رأيكم في الشعر وخاصة ما يعرض على ساحة الأدب الليبي؟ وهل لديكم رأي خاص في قصيدة النثر خاصة التي تسلك المسلك السريالي؟ وهل فتح هذا النوع من الأدب المجال للمدّعين ليدّعوا أنهم أدباء؟

الشعر له مجاله، وله روّاده، الشباب الذين يكتبون الآن حتى ما بعد شعر التفعيلة، لهم رأيهم، وهذا تطور في الأدب، لا نستطيع أن نقول فيه شيء، باعتباره فن ينمو ويتطور، أما بالنسبة لذوقي أنا، فأنا أحب الشعر المُصوّر الذي تكون فيه موسيقى، فإن لم تكن بالشعر موسيقى لا أستسيغه، واكتمال الشعر لا بد أن تكون له موسيقى وأن تكون له صورة للحياة، ويعتمد على التخيل والتصور الذهني وفيه تصوير لحياتنا ولنفسية الإنسان.

أما فيما يتعلق بقصيدة النثر خاصة التي تسلك المسلك السُريالي، فأنا لا أتذوق هذا النوع، ولا أفهمها كثيراً، أنا لا أحب الغموض، وحتى كتاباتي النثرية واضحة وسهلة، لكن من حق أي إنسان يكتب، إذا أحس أن لديه تجربة؛ لكن ليس كل من يكتب يستطيع أن يقنع القارئ؛ لأن كثيرا منهم يكتب دون أن يقرأ، وتجده لا يملك فكرة عن الرواية أو الشعر.

القراءة كنشاط مجتمعي في تراجع كبير اليوم، وذلك لأسباب كثيرة، هل تعتقد أن ما يقدمه الأدباء اليوم من إنتاج أحد أسباب هذا التراجع؟ وكيف يمكن حث الشباب خاصة على القراءة؟

أنا ألتقي بالشباب كثيراً، ونصيحتي دائماً “إذا أردت الإبداع في مجال اقرأ فيه، واقرأ حتى في غيره” لأن الثقافة العامة مهمة جداً وخاصة لمن يتولى السرد، فالثقافة العامة هي الخلفية التي وراء الكاتب، فكيف تكتب عن مجتمع ثقافتك قاصرة عليه، وأيضاً اللغة العربية مهمة جداً، فإذا كانت لغتك لا تستطيع أن توصّل بها أفكارك، أو ترسم بها شخصياتك في عمل الرواية وشيء من هذا فأنت هنا مقصر، فالقراءة هي الأساس، هذا ما كنا نقوله دائماً للشباب، كلنا بدأنا قُرّاء، وحينما أحسسنا بأننا نستطيع أن نقدم شيئاً، بدأنا نجرب، ونسأل أساتذتنا وأصدقاءنا.

أما أسباب تراجع القراءة، فكما أن للروائية “أحلام مستغانمي” روايات طُبعت منها 14 طبعة، هناك في المقابل إنتاج أدبي كتب عليه رواية وهو دون المستوى للأسف، ولا أريد الخوض في أسماء، فالخلاصة هناك من الإنتاج السردي مما يشد القارئ، وهناك ما يبعده عنه.

ما هي أحب أعمالك إلى قلبك، ولماذا؟ وهل هناك أعمال أو مشاريع أدبية تعمل عليها الآن؟

قهقه، ثم صمت وبدأ يخمن …… ربما الجزء الأول من المراحل؛ لأنه وجد نجاحا كبيرا، وقد كتب عنه كثيرون، منهم الدكتور “محمد المفتي”، الذي كتب عنه مقالة وأشاد فيها بالكتاب، ومن أساتذة الجامعات من أخبرني بأنه كلما شعر بالقلق بدأ في قراءة المراحل، وهذا انطباع طيب، وهناك أيضاً أستاذ جامعي سوداني زار أخي في المكتبة، وسأله عني … “وين ولد الشتاونية؟” في إشارة إلى أنه متأثر بكتاب المراحل؛ لأن “الشتاونية” هي والدتي، وقد ركزّت عليها كثيراً في “المراحل”، وصوّرت حياتها بالضبط، فكون أن ذلك يشد قارئ غير ليبي، فهذا اعتبره نجاح، ضف على ذلك أن الرواية واقعية صورت فيها حياتي في الأزمان التي عشتها، بما فيها الأربعينيات التي عشتها طفلاً، واستعنت فيها بوالدي ووالدتي أثناء كتابة تلك المرحلة، والجزء الثاني من المراحل، تكلمت فيه عن دراستي بمصر أيام “جمال عبد الناصر”، وكيف تدرّبنا العسكرية، والجزء الأخير “الرابع” من المراحل لم أقم بطباعته ولم ير النور، أما عن آخر أعمالي، فهي رواية انتهيت من كتابتها ويتولى أبنائي طباعتها على الحاسوب، اسمها “سيرة غيرية” تتناول قصة صديقين حميمين، وهي قصة محزنة صراحةً.

الفقيه: اختطاف سرقيوة جريمة بكل المقاييس والبعثة في سبات عميق

العدالة والبناء يدين اختطاف سرقيوة ويدعو للإفراج الفوري عنها