لطالما أوهم خليفة حفتر أنصاره والدول المساندة له بأنه قادر على الحسم العسكري، وأنه يمكنه دخول العاصمة طرابلس خلال 48 ساعة، مزهواً ومغتراً بأن لديه القوة الخارقة للسيطرة عليها، ونسف العملية السياسية، ونكص عن وعوده وتعهداته التي قطعها أمام رؤساء دول العالم في المؤتمرات الدولية التي عقدت حول ليبيا في باليرمو وباريس وأخيراً في أبوظبي في مارس الماضي.
ها هو يثبت عجزه بعد مرور 50 يوماً من عدوانه على طرابلس، الذي لا يريد أن يعترف به علانية، ولكنه بدأ يشير له أو يتضح عليه من خلال بعض التصريحات التي كان أولها ما أعلنه رئيس حكومته، عبدالله الثني، منذ أيام من أن حفتر لا يمانع في التفاوض مع السراج.
هذه المرة يؤكد بنفسه ويوضح تراجعه عن تهديداته تلك أثناء زيارته للعاصمة الفرنسية باريس ولقائه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في بيان أصدرته الرئاسة الفرنسية، فحواه أن حفتر يعتبر أنه سيكون من الضروري استئناف الحوار السياسي للخروج من الأزمة.
رئيس المجلس الرئاسي أكد مرارا أن الحل في ليبيا لن يكون عسكريا، لكنه أكد أن العملية السياسية الجديدة ستأخذ في الاعتبار المعطيات التي أفرزها العدوان على طرابلس منذ الرابع من أبريل الماضي.
وأكد ذلك خلال لقائه سفراء الدول العربية والإفريقية والغربية في العاصمة التونسية، من خلال البحث عن آلية جديدة للحوار تشمل كل الليبيين دون إقصاء، وإيجاد ممثلين آخرين للتفاوض، مؤكداً ضرورة اقتران أي وقف لإطلاق النار بعودة القوة المعتدية من حيث أتت.
المبعوث الأممي لدى ليبيا، غسان سلامة، من جهته أشار إلى أنه استمع إلى العديد من الليبيين الذين قالوا، إنه لا يمكن للعملية السياسية أن تتجاهل الحرب الدائرة الآن وكأنها لم تحدث، وهم محقون، وفق تعبيره.
وقال سلامة في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، إن هناك واقع ما قبل 4 أبريل وما بعده، ونحن كوننا وسطاء محايدين، يتعين علينا العمل على تعديل تلك العملية؛ بغية جسر الهوة العميقة من انعدام الثقة التي سادت منذ ذلك التاريخ.
كلام سلامة أعقبته كلمة مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن المهدي المجربي، الذي قال، إننا نتطلع إلى دعم مجلس الأمن؛ للبدء في عملية سياسية تأخذ في الاعتبار المعطيات الجديدة، وعدم ارتهان العملية بشخص؛ موضحاً أن قواعد التفاوض تغيرت بعد هذا الغدر والاعتداء.
يلاحظ من خلال هذه الأخبار والمؤشرات، أن حفتر لا يزال يتكبر فقط أمام الجميع ليظهر أنه ما يزال قوياً، والواقع والمؤشرات والأدلة تؤكد أنه متراجع في داخله، وأنه يواجه أزمة في نفسه ومع محيطه وفي قواته التي تراجعت بفعل صمود وقوة الجيش الليبي والقوات المساندة له والضربات الماكنة التي وجهتها له، التي تزداد قوة وسيطرة وتخطيطاً كل يوم جديد.