تفنّن مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة في لقائه الأخير على قناة الجزيرة في دغدغة عواطف الليبيين من خلال هجومه العنيف على “كل” الطبقة السياسية في البلاد دون تحديدٍ حتى أوصلهم جميعاً إلى مرتبة “الامتياز” في الفساد، وأن كل الصراع السياسي الحاصل ما هو إلا صراع على “الكعكة”، في دلالة على نفي أي صلة بالوطنية أو رغبة في تغليب المصلحة العليا للبلاد على مصالحهم الشخصية.
بنفس أسلوب “التعميم” عدّد الدول التي تتدخل في الشأن الليبي دون أن يسمّيَها، كذلك عن الفئات المعرقلة للانتخابات وعن تغلغل الفساد.
كمتابع للمشهد الليبي لا يمكنني -موضوعيًّا- تصديق ما أدلى به المبعوث الأممي؛ لأنه ينطوي على سذاجة في الخطاب اعتمد فيه على تلقين المشاهد والتعويل على بحث الليبيين عن حلول لأزمتهم، والإمعان في استغباء الناس، وتلقيمهم كل مفردات التعميم، تحت شماعة “الليبييون يريدون حلا”.
لمعرفة دوافع هذا التصعيد في الخطاب من سلامة وتوجيهه سهاما سامة إلى طبقة “السياسيين” بالذات، لا بد من استحضار موقف المبعوث قبل أقل من شهر على الملتقى الجامع، فالمبعوث الذي قضى وقتا طويلا في دهاليز الأزمة الليبية يلعب ورقته الأخيرة عن طريق هذا الملتقى، وهو يقاوم؛ لأجل خروجه بتحقيق تقدم في الأزمة ولو كان طفيفا يعصمه من الانزلاق إلى مهاوي الفشل.
غسان سلامة، وهو الشخصية الثرية فكريا وثقافيا، والمتمرس في سياسة بلاده وبعض دول المنطقة، يدرك جيّدًا أنه ما من أحد يستطيع الوقوف أمام تمرير أجندته في الملتقى الجامع إلا السياسيون بمختلف توجهاتهم، وعندما هاجمهم بهذه الطريقة الفجة، فهدفه إضعافهم؛ لإرغامهم على القبول بأي حل يراه، خاصة وأنه مصرٌّ على موقفه الملتحف بالغموض، وإذا سوغنا لسلامة هذا الغموض؛ للحفاظ على أكبر توافقات إلى حين الملتقى، فإنه لا يمكن تسويغ هذه الطريقة الفجة التي يستغل فيها حاجة الليبيين لحل أزمتهم، والتي يمجها العقل، أي عقل.
كما أن هذا الأسلوب التعميمي الذي انتهجه سلامة عند تفسيره سياسيا يمكن الذهاب إلى اتهامه بالتغطية على السياسيين الفاسدين حقيقة؛ لأنه لم يستعمل أي مفردة من مفردات التخصيص، والأمر نفسه بالنسبة للدول العشر التي تتدخل في ليبيا، فحديثه عنها ليس من باب الشفافية، لكن للتغطية على الدول المتورطة في الأزمة الليبية، وهو يعرفها تمام المعرفة بحكم منصبه.
كما أن من المضحكات المبكيات في كلام المبعوث هو تكراره أنه يتحدث باسم “الليبيين” رغم استنكاره ذلك على محاوره، وهي وسيلة معروفة يستخدمها الحكام المستبدون لتصفية معارضيهم إذا أحسوا بأي خطر على مناصبهم، وما يجعل الأمر مضحكا مبكيا هو استخدامه من قبل مبعوث أممي وسيط بين الليبيين لحل أزمتهم، وفي حال انتهاء دوره سيذهب من حيث أتى، وربما لن يذكر ليبيا مرة أخرى إلا في مذكراته أو في هامش أحاديثه.
حديثي بهذا الشكل عن المبعوث لا يعني
السير في طريق معارضة الملتقى الوطني أو الوساطة الأممية، فالواقع الليبي المتشظي،
والانسداد السياسي المحكم، يحتم التعاطي مع كل مقاربة ربما تكون خطوة في طريق
الحل، خاصة بأن عمق الانقسام الحاصل، والاستقطاب الكبير، استحال معه وجود طرف محلي
قوي يستطيع لعب دور الوسيط بين الأطراف، والجهد الذي بذله سلامة جهد مشكور بلا شك،
لكنه بهذا التصعيد الأخير تهاوى إلى منزلق خطير ربما يدمر كل ما سعى إليه منذ
قرابة العامين.
المصدر: موقع ليبيا الخبر