يقترب عقد الملتقى الوطني الجامع منتصف أبريل القادم في غدامس الذي دعا إليه المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة في محاولة قد تكون الأخيرة لجمع الفرقاء الليبيين بهدف إيجاد حل للأزمة الليبية.
التحرك المحموم من المجتمع الدولي وأطرافه ودخولهم بقوة لمساندة البعثة الأممية في سعيها لإيجاد حل للأزمة الليبية التي أرهقت المجتمع الدولي والإقليمي؛ بسبب تعنت بعض الأطراف ومحاولاتها فرض شروطها على الطرف الآخر.
المجتمع الدولي بدوره أظهر إشاراته حول الملف الليبي، مؤكدا على الحل السياسي، وفي اتجاه ممارسة ضغوطات لإرغام قائد قوات الكرامة، خليفة حفتر عليه، الذي يصر على الحل العسكري.
الزيارات المكوكية التي تقوم بها البعثة الأممية للمكونات السياسية والاجتماعية كلها تتجه صوب ضرورة أن تخضع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية، والمتمثلة حالياً في المجلس الرئاسي المعترف به دولياً.
كل الزيارات التي قام بها عدد من المسؤولين الدوليين لليبيا، أكدت أن الحل العسكري مرفوض، وأن إدخال العاصمة طرابلس في حرب جديدة هو أمر مرفوض أيضاً، وثبت هذا من خلال زيارة قائد القوات الأمريكية في أفريقيا رفقة السفير الأمريكي لدى ليبيا إلى طرابلس، حملت إشادة واضحة بالمجلس الرئاسي ورغبة قوية في دعمه، بل وتقديم الدعم اللازم له، دون الإشارة الى أي دور لحفتر والمؤسسة العسكرية في الشرق الليبي.
تبعتها زيارة وزير الخارجية الفرنسي، لودريان لطرابلس وبنغازي، التي أكد له فيها رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج على ضرورة وضع حد للتدخلات الخارجية في الشأن الليبي، وإلزام الأطراف المعرقلة بالتوقف عن المماطلة، وضرورة أن تخضع المؤسسة العسكرية لسلطة المجلس الرئاسي. لحقتهم بعثة من الاتحاد الأوربي ضمت عدداً من سفراء الدول الأوربية زارت طرابلس وتحولت بعدها لبنغازي للقاء قائد عملية الكرامة خليفة حفتر، التي أعلنت في بيان صادر عنها عقب الزيارات، تأكيدها على دعم الاتحاد الأوروبي الثابت لجهود الممثل الأممي، غسان سلامة والبعثة الأممية، داعية جميع الأطراف الليبية إلى الامتناع عن أي تحريض، وخاصة من خلال وسائل الإعلام، والعمل على نزع فتيل التوتر.
وجددت البعثة الأوربية استجابتها لنداء الشعب الليبي لاستعادة الأمن, ورغبته في مؤسسات أمنية وعسكرية موحدة، خالية من التدخلات السياسية والحزبية والإقليمية، والخاضعة للإشراف المدني والقضائي. في نفس السياق أكد أعضاء مجلس الأمن الدولي، أن المؤتمر الوطني سيوفر فرصة حاسمة لجميع الليبيين لتنحية خلافاتهم جانبًا، داعين جميع الحاضرين للمؤتمر إلى الانخراط “بحسن نية” في هذه العملية السياسية التي تقودها ليبيا.
وجدد الأعضاء، في بيان لهم الثلاثاء، دعمهم الكامل للممثل الأممي لدى ليبيا في سعيه للتوصل إلى حل سياسي من شأنه أن يؤدي إلى انتخابات نزيهة، حاثين جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية على التوحد؛ لدعم خطة سلامة في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة من عمر البلاد.
الجانب الروسي أيضاً أكد عدم دعمه لحفتر، خلال زيارة رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري لموسكو الأسبوع الماضي، الأمر الذي يراه مراقبون ومحللون أنه تأكيد من روسيا على رفضها للحل العسكري في ليبيا، أو هو بمثابة التخلي الروسي عن حفتر.
وبهذا تكشف كل اللقاءات والزيارات التي لم تتوقف منذ سنوات أن تحركات قوات حفتر للالتفاف على تفاهمات المؤتمرات التي عقدت حول ليبيا ومن بينها باريس وروما وأبوظبي بفرض نفسه دون غيره على الأرض لم تعد مقبولة، ولن ترضي المجتمع الدولي وخاصة الدول الكبرى وأهمها أمريكا.
وحذرت كل اللقاءات والبيانات والإشارات من الاقتراب من طرابلس أو تقويض سلطة حكومة الوفاق الوطني الذي يظهر المجتمع الدولي إنحيازاً تاماً لها ودعماً معلناً لها، خاصة وأن تصريحات وبيانات المبعوث الأممي، غسان سلامة وإحاطاته أمام مجلس الأمن، التي كان آخرها الأسبوع الماضي، وأعلن فيها مسؤولية قوات حفتر عن الانتهاكات التي نُفذت في الجنوب الليبي وفي درنة، ذاكرا أن أنباءا وردت عن إحراق تسعين منزلاً في هجمات انتقامية شنتها القوات التابعة للقبائل تحت إمرة “الجيش” في إشارة لقوات قبلية، تقاتل مع قواته في مرزق، معرباً عن قلقه من تحرك قوات حفتر في قاعدة الجفرة، وقريباً من سرت، التي تؤكد تنصل حفتر من تفاهماته خلال اللقاءات التي أجراها مع السراج بحضور سلامة.
وفي خضم هذا السباق نحو تأكيد أن لا حل عسكري في ليبيا، هل يفهم السباق على أنه ضغط من المجتمع الدولي على حفتر؟ أو هو تخلٍ عنه بعد فشله في السيطرة الكاملة على البلاد، خاصة بعد التأكد من حقيقة تحركاته في الجنوب الليبي ومحاولة اقترابه من مدينة سرت وسعيه في إثارة الفوضى بالعاصمة طرابلس في محاولة لزعزعة استقرارها.