مرّ أكثر من شهرين على العملية التي أطلقها حفتر لتحرير الجنوب ممن وصفهم بالجماعات الإرهابية والتنظيمات الأجنبية، العملية التي لاقت رواجا كبيرًا بين مختلف الوسائل الإعلامية الموالية لقائد الكرامة، كما أنها -دون الخوض في الأسباب- قد قوبلت بزخم شعبي ملحوظ.
هذا الزخم الكبير سرعان ما تضاءل تدريجيًّا، سواء من مدبّري العملية: حفتر وقواته ومتحدثه الرسمي، أو من المؤسسات الإعلامية الداعمة للعملية، أو حتى من نشطاء الجنوب المرحبين بدخول قوات حفتر إلى الجنوب.
سبب التضاؤل
لا يمكن القول بأن سبب هذا التضاؤل هو استقرار الأوضاع هناك جرّاء العملية العسكرية، فهذه رواية يحاول ترويجها بعض الداعمين “عمليا” لحفتر، وهي بعيدة كل البُعد عن حقيقة الأوضاع الحالية، وتصريحات بعض عمداء البلديات في الجنوب واضحة بأن الوضع لا يزال متأزماً، بل ربما استفحل حتى اتّسع الخرق على الراقع.
كما أن إحاطة المبعوث الأممي الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي أماطت اللثام الصورة المفجِعة التي خلفتها العملية -ويحاول حفتر وإعلامه إخفاءها- حين قال بصراحة: “إن دخول قوات حفتر إلى مرزق تسبب في مقتل ما لا يقل عن 18 شخصاً من سكان المدينة وإصابة 29 آخرون، وإحراق 90 منزلا في هجمات انتقامية شنتها “قوات القبائل” التي تحت إمرة حفتر”.
تضاؤل زخم العملية بدأ تحديداً بعد أيام من لقاء أبوظبي الذي جمع بين السراج وحفتر، وهو ما يجرّنا إلى تبني التفسير الذي تحدثت عنه في مقال سابق من أن الهدف الحقيقي لحفتر وراء العملية هو تدعيم موقفه التفاوضي أمام المجتمع الدولي في دهاليز حل الأزمة الليبية، وهو ما فشل في تحقيقه بسبب رفض السفير الأمريكي الحاضر في لقاء أبوظبي وكذلك البعثة استخدام الجنوب كورقة سياسية للتفاوض.
ماذا خلفت العملية العسكرية لحفتر في الجنوب؟
لم تجن العملية العسكرية لحفتر على سكان الجنوب إلا مزيداً من التأزّم على كافة المستويات، فإضافة إلى فشله في دحر المعارضة التشادية التي هي السبب المحوري المعلن للعملية، فتحت العملية الطريق واسعا لميليشيات أخرى من خارج الحدود وهي المعارضة السودانية وأضفت الصفة العسكرية على عصابات التهريب ونقل المهاجرين التي سارعت في الانضمام لقوات حفتر، كما أن انتهاكات حقوق الإنسان قد وصلت إلى مستوى مخيف خاصة في مدينة مرزق وهو ما صرّح به المبعوث الأممي في إحاطته أمام مجلس الأمن كما أشرتُ آنفًا، الأمر الذي سبّب -وهو الأخطر- في تهييج النعرات العرقية وتأليبها، كل ذلك بالإضافة إلى زيادة في تردي الأوضاع المعيشية واستمرار افتقار مدن الجنوب إلى أبسط الخدمات رغم استجارة حفتر برئيس الحكومة المؤقتة عبدالله الثني للاهتمام بهذه المشاكل، لكن المستجير بالثني كالمستجير من الرمضاء بالنار.
رغم ذلك؛ لم يحقق قائد الكرامة الهدف السياسي بفصل المؤسسة العسكرية عن المدنية تمهيداً للاستحواذ الكامل كما هي عادة العسكر، لكن المحزن -والحال هذه- هو استمرار استغلاله لمشاكل الجنوب في محاولة تحقيق هذه المصالح التي هي أبعد ما تكون عن المصالح الوطنية، كما أن سعيه إلى خلق بؤر توتر جديدة في سرت والجفرة والغرب الليبي هو أيضاً محاولة لإحداث نوعٍ من الفوضى يعرقل المسار السياسي الذي بدأت معالمه تتضحه، وهذا ما يؤكد أن تحركات حفتر العسكرية ليست إلا محاولات يائسة لتغيير المعادلة السياسية في صالحه ولا أظنه يُفلح.
المصدر: موقع ليبيا الخبر