هناك من يعيش دائما أسيرًا للماضي والمواقف المبدئية المثالية، ولا يكاد يتجاوزها، ويجتر حلولا ومواقف، إما قد تجاوزها الزمن فأفقدها فاعليتها وواقعيتها ومناسبتها للشأن الجاري، وإما أنها غير واقعية، طارحا من تقديراته وحساباته أي قدر من استصحاب إكراهات السياسة ومحدودية خياراتها خاصة وقت الأزمات الحادة كالتي تمر بها ليبيا الآن، حيث يكون الاختيار غالبًا بين أخف الأضرار أو حلول ضعيفة نسبيا، مما يفرض في معظم الأحيان واقعًا يتطلب مواقف ومعالجات استثنائية مغايرة لنمط تفكير من يقف حبيس قفص خشبي، ومواقف جامدة، وهذا النوع غالبًا ما يكون متفرجا على من يكابدون بجدية على مستوى الفعل السياسي ويخوضون غمار الواقع السياسي العملي بمراراته وتحدياته، وسط أزمات سياسية خانقة ومتشابكة ومعقدة غاية التعقيد تجعل الحليم حيرانًا يصعب فيها الحكم بالمطلق على خيار ما بالصوابية أو الخطأ، وذلك أثناء البحث عن صناعة مقاربات سياسية وحلول تحول دون انزلاق الأوضاع إلى ما هو أسوأ، وتساعد على تخفيف الأزمات والتقليل من الفساد على جميع المستويات.
وهؤلاء عاجزون عن تقديم أي شئ سوى محاكمة اجتهادات وتضحيات العاملين بمعيار مواقفهم الخشبية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، محلقين في عالم التجريد والمثالية، منتشين بسكرة التمسك بمواقف يزعمون أنها مبادئ منحوتة على الصخر، ولك أن تقارن بين من يقف متفرجا ينظر وينتقد، ويوزع صكوك الوطنية ويخون، ومن ينهمك في الفعل السياسي الواقعي ويتحرك مع معاناة الناس على أرض الواقع.
كالموقف من الأزمة في ليبيا عموما، والاتفاق السياسي، أو التوقيع بالأحرف الأولى، وجرة القلم، أو المقاربة بين التمسك بحكم المحكمة والذهاب إلى مقاربة سياسية كاتفاق الصخيرات، أو الموقف من التعامل مع بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والاستعانة بالناتو، وكل هذه على سبيل المثال لا الحصر.
وفي ظروف الأزمات الحادة يغفل البعض عن إدراك المخاطر التي تم تفاديها، وكان من الممكن أن تحدث وينحصر تفكيرهم غالبًا في ما تحقق من مكاسب فقط، وهذا تقييم قاصر عند العقلاء.
المصدر / الصفحة الشخصية لرئيس حزب العدالة والبناء محمد صوان