كأي محطة من المحطات التي مر بها الليبيون وما زالوا سيمرون بها، عقد اجتماع أبوظبي بدون مقدمات ولا علم مسبق بأجندته ولا بنوده؛ ما جعله عرضة للاستغلال من كل الأطراف لتفسيره وفقا لرؤيته ومصالحه، لكن الذي سمع ليس كمن حضر.
وكعادته وبلا تردد استغل أحد الذين ينعتون بالسياسيين الظرف فى تهييج العواطف الثورية واستثارة المشاعر مستخدما نظرية المؤامرة والطعن والتخوين ليترك بعده الفوضى والتشويش، زاد من ذلك صمت من حضر، مستغلا غموض الحدث واستخدامه القماشة الحمراء “الإمارات وحفتر” لتهييج الثور الضخم “بعض مدن الغرب الليبي”، فما كان إلا أن كثُر الكلام، وارتفعت الأصوات، وتباينت الآراء، وتعالت صيحات التخوين والطعن وسط استمرار صمت المعنيين.
استمرت حالة التشنج وصدرت البيانات الثورية مؤكدة لحيثيات ورافضة لأخرى، متوافقة فى حقيقتها مع موقف السراج حسب شهادته التي أدلى بها بعد صدور هذه البيانات وليس كما نقل مهيجوا العواطف وناقلوا الكلام المغلوط.
الأمر الإيجابي فى هذا الحراك هو إظهاره لمدى تمسك الليبيين بممارسة حرية التعبير وحق الرفض والتدافع بين مؤيد ومعارض والمطالبة بمحاسبة من حضروا رغم التسرع فى الحكم قبل سماع الحقيقة، والمزعج هو اختفاء هذه الملامح شرق البلاد، وكأنهم رضوا وسلموا بأن يلبسوا ما يفصل عليهم حتي ولو كان خلافا لما يسوقون وما به يتبجحون مقتنعين مسلمين أمرهم لكلام سيدهم المتمنهج بنهج “ما أريكم إلا ما أرى”.
وسط هذا السجال بين مشاهد الثورية الشاطحة، والمواقف الوطنية العاقلة، والعبودية القاهرة، خرج السيد فائز السراج عن صمته ونشر حقيقة ماجرى ونفى الشائعات وفضح الكذب، مؤكدا على تمسكه بأن تكون المؤسسة العسكرية تحت حكم الدولة المدنية، مجددا رفضه لدعوات الحرب والاقتتال بين الليبيين، معبرا عن أمله فى وطن يجمع الجميع دون إقصاء أو تهميش تحت مظلة دولة مدنية شاء من شاء وأبى من أبى.
بهذا الكلام المسؤول قُطع الطريق على المزايدين والساعين للفتنة وإثارة الفوضى، وتعزّزت ملامح الدولة المدنية وانحصر موقف العسكر أمام سلطة الدولة الحالية.
أما آراء الشارع فهي النبض الذي لا يجب أن يتوقف، لكن لابد من الارتقاء بمستوى الوعي حتى لا نقع ضحية لكل من ينقل كلاما مغلوطا، متبجحا بأنه نقل إليه من شخص مسؤول ولم ينتبه أنه أصبح كحاطب ليل بعد شهادة رئيس المجلس الرئاسي الحاضر والطرف الرئيس في الاجتماع.
يجب أن نرتقي بعقولنا ولا نفرغ المشهد من محتواه ولا ننجر وراء خطابات حماسية ونشق صفنا بجهلنا ونمارس معارضتنا بضوابط المصداقية وليست بعواطف الثورية، فليس من مصلحتنا أن نزيد رقعة الفوضى والتدخلات الخارجية غير المؤطرة بإطار البعثة الأممية، ونحجر على أنفسنا بأسوار من الرعب والخوف من المجهول، ونتعامل على أن ماحدث فى شرق البلاد من تهجير وقتل سيحدث فى غرب البلاد، وكأن الأمور مبنية على تراتبية كالأحجار عندما تسقط الأولى فيجب أن تقع الثانية، هذا مع احترامي للكثيرين ما هو إلا تفريغ للمشهد من محتواه وارتهان لمخاوف مبنية على خيالات ماكينة الرعب والخوف.
أًقدر ضعف البعض ولكن ما زالت ليبيا عامرة بشبابها ونخبها ولن يسمحوا بإعادة سيناريو الدكتاتورية وحكم الفرد المستبد حتى وإن رضخ له بعض المستضعفين، لكن ما أرجوه أن تكون هذه الأحداث درسا لنا فى التعامل مع ما يخفيه القدر لنا والذي ندعو أن يكون أفضل مما مضى.
شبكة الرائد الإعلامية
الكاتب والمحلل السياسي/ محمد غميم