قطعًا لا يمكنني الإشادة بقرار المجلس الرئاسي الأخير بتكليف الفريق علي كنه آمرا عسكريا للجنوب؛ فهذه الخطوة تعتبر من بديهيات عمله ومهامه الموكلة إليه وفقا للاتفاق السياسي الذي جاء به، بل ربما يكون نقد القرار أقرب من الإشادة به، لأن المفترض أن يكون وقت هذا التكليف -بصرف النظر عن المُكلّف- قبل أكثر من 03 سنوات، كما أنه لا ينبغي لحكومة رسمية أن تتعامل بردات الفعل على الأحداث دون المبادرة بالإصلاح قبل تفاقم المشكلة.
وبالقطع أيضًا لا يمكن لبيان إدانة أوقرار تكليف أن ينهي أزمة الجنوب، فالمشكلة أكبر وأعقد من ذلك بكثير، تتداخل فيها قوى خارجية، وصراعات قبلية، وميليشيات للتهريب عبر الحدود، وعبث لمعارضة مسلّحة من السودان وتشاد، هذا الواقع بالإضافة إلى اعتبارات التاريخ والجغرافيا يعتبر من أهم المحددات التي يجب النظر إليها عند صياغة أيةمقاربة لحل أزمة الجنوب، ولعلّ الجميع يتفق أن هذه المقاربة وتنفيذها هو من مهام الحكومة الرسمية التي تلكأت وتأخرت كثيرا في المبادرة لحل الأزمة.
كثيرا ما حاول الرئاسي تجنّب الدخول في صدام مع حفتر في محاولة منه لعدم الاصطفاف وأن يكون على مسافة واحدة من جميع مكونات الطيف السياسي؛ولكنه اليوم وجد نفسه مضطرا للدخول في مواجهة مباشرة معه في الجنوب بعد إدانته للعملية العسكرية لحفتر وتعيينه علي كنه آمرا عسكريا لمنطقة سبها العسكرية.
لكن السؤال الملحّ الذي يتبادر إلى ذهن المتابعين هو مدى واقعية وجدوى هذا التكليف في ظل الواقع المعقد والمعطيات المتداخلة والأزمات العميقة التي تعصف بجنوب ليبيا.
لا شك أن علي كنه في وضع لا يُحسد عليه؛ لضخامة التحديات التي تواجهه، وهي تتلخص في القدرة على لملمة شتات المكونات وتوحيد جهودها نحو هدف واحد وهو إنهاء حالات الارتزاق التي مارستها بعض الأطراف في الأعوام الماضية، ومواجهة مجموعات المعارضة السودانية والتشادية المنتهكة للحدود، إضافة إلى خلق أجواء مطمئنة للطريق الذي يمدّ الجنوب بالوقود والغذاء لمعظم السكان هناك، والأهم هو تأمين حقول النفط وعودة تصديره.
لم يكن للرئاسي خيارات كثيرة لاختيار اسم يتفوّق كثيرا على اسم علي كنه؛ فالرجل يتمتع بعديد من الإيجابيات تجعله مؤهلا لشغل هذا المنصب:
له مكون يدعمه وتحالفات سابقة مع بقية المكونات تمكنه من مسك زمام الأمور إذا وفر له الدعم اللازم من الحكومة لاستمالة الكتائب الموالية لحفتر في الجنوب.
درايته السابقة في التعامل مع الحدود وعصابات التهريب، لأنه كان مسؤولا عن أمن حدود الجنوب في عهد النظام السابق.
ذو دراية بذوي الكفاءة في الأجهزة العسكرية؛ نظرا لتجربته وعلاقاته الاجتماعية والقبلية.
يمكنه الاستفادة من العلاقة التاريخية بين الطوارق والزنتان من خلال آمر المنطقة العسكرية الغربية.
ربما هذا التكليف سيجعل رئيس المؤسسة الوطنية للنفط يعدل عن قرار عدم استئناف الإنتاج بحقل الشرارة خاصة بعد تأمينه من حرس المنشآت النفطية حسب ما قال كنه في أول تصريح بعد تكليفه، وهو ما يزيد من رصيده.
ورغم هذه الإيجابيات، يبقى نجاح علي كنه في مهمته رهن محددات أبرزها: الدعم المادي والسياسي من المجلس الرئاسي، وإدارته للتوازنات القبلية والعرقية بواقعية وسلاسة، ووأد كل الأسباب التي تعمق الصراع؛ لأن الوضع في الجنوب تربطه مصالح قبلية قد تتغير بتغير المشهد واستمالة بعض الأطراف الإقليمية والدولية لبعض زعماء القبائل؛ للحفاظ على مصالحها التي تعتبرها تمس أمنها القومي، وهذا ما قد يكون المعضلة الأكبر التي ستواجه الآمر العسكري الجديد للجنوب.
الكاتب المبروك الهريش