بعد إعلان قوات حفتر سيطرتها على مدينة درنة في يونيو من العام الماضي تعيش المدينة وخاصة المدينة القديمة وضعا مزريا بعد الحصار الذي أطبقته قوات حفتر عليها وهم ضحايا ما وصفته الأمم المتحدة بأنه “كارثة إنسانية خفية”، من مبانٍ مفخخة، وحالات الاختفاء القسري، والتعذيب الجماعي، والقصف الجوي للمنازل السكنية.
وقد اشتكى السكان والعاملون في المجال الإنساني من أن” الميليشيات المتحالفة “مع حفتر تعيق وصول المساعدات إلى المدينة.
ويقول الناشط الليبي من مدينة درنة غيث السنوسي، لـ قناة ” TRT Worldالتركية ” في اتصال هاتفي، إن” الوضع مروع “هنا في البلدة القديمة، هناك جرحى ليس لديهم دواء، ولا شيء يأكلونه ولايشربونه، ولا يستطيع الكثيرون التحرك…، العديد منهم يستخدمون منشارا يدويا لقطع الأطراف المصابة ثم تغطية الجروح بشريط كهربائي. وقد لقي آخرون مصرعهم في قصف عشوائي”.
وأعربت نائبة الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا “ماريا دي فالي ريبيرو”، عن قلقها المتزايد إزاء الأزمة الإنسانية المتنامية، حيث أعلنت في وقت سابق من الشهر الحالي أنها “قلقة للغاية من تصعيد الأعمال العدائية في مدينة درنة وما يترتب على ذلك من مزيد من التدهور للوضع الإنساني في المدينة “.
ودعت ريبيرو” بشدة إلى “وصول المساعدات الإنسانية غير المشروطة وغير المعرقلة والمستدامة إلى المدنيين المتضررين في المدينة القديمة”، حاثة جميع أطراف النزاع على احترام وحماية المدنيين والمرافق المدنية، وعلى “التقيد الصارم بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي والإنسانية”.
هل حفتر قوة شرعية
إذا كان سكان المدينة محاصرين من قبل داعش في 2014-2015، فإن اليوم قائد قوات الكرامة خليفة حفتر، هو الذي تقصف قواته المواطنين المحاصرين في المدينة القديمة منذ فترة طويلة.
وقال المحلل السياسي من شركة الاستشارات الليبية “جيسون باك ” إن “حفتر لا يقود جيشا وطنيا حقيقيا”، بل يقود مجرد ميليشيات أخرى.”
مضيفا بأن حفتر يسعى إلى السيطرة الكاملة على البلاد بالطريقة نفسها التي تحصل فيها القذافي على ليبيا منذ أربعة عقود.
ورأى الشريك المؤسس لقسم الطب النفسي في مصراتة والرئيس السابق للصحة النفسية في ليبيا، أحمد السويحلي في حديثه إلى قناة “TRT World” أن قوات حفتر ليست جيشا وطنيا، بل ميليشيا مناهضة للديمقراطية يقودها مجرم حرب يقوم بانقلاب بطيء، ولكن شرس ودموي” .
الدعم الأجنبي لقوات حفتر يجعل الأمر أسوأ
وأشارت وكالة الأنباء التركية ” TRT” في تقريرها أن حفتر يتلقى الدعم من قبل الإمارات العربية المتحدة، ومصر، وفرنسا، وهو ليس فقط انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، ولكن أيضاً دعم ضمني لماهية جرائم الحرب الموضوعية في البلاد.
الوكالة قالت، إن فرنسا، ومصر، والإمارات تقدم الدعم العسكري إلى قوات حفتر؛ لسبب واحد بسيط: إنها تعتقد أنه الرجل المناسب لمحاربة “المتطرفين الإسلاميين” في ليبيا، وهو ما رأت الوكالة في تقريرها أنه”أمر سخيف”؛ لأن ميليشيات حفتر تتألف من “متطرفين مناهضين للديمقراطية في البلاد الذين يطبقون بعض أكثر العمليات قسوة وعنفًا ووحشية”.
الناشط السياسي من مدينة درنة غيث السنوسي يقول، إن “هذه الميليشيات من البلدات المجاورة تحت قيادة حفتر تستخدم أسلوب التطهير العرقي لمتابعة أجندتها ومنع الشعب الليبي من تحقيق الديمقراطية”، مشيرًا إلى أن”ما قاموا به هو تدمير المنازل، وسرقة الأثاث، والاستيلاء على منازل العائلات النازحة، ومن أجل تبرير الحرب على درنة وصفوا سكان المدينة بأنهم إرهابيون، لكنهم ليسوا إرهابيين بل هم السكان.”
ويتابع السنوسي في حديثه مع القناة التركية أن فكرة كون سكان درنة يتعاطفون مع المتطرفين أو الإرهابيين “مضللة”؛ نظراً لأن شباب المدينة من قبل أسسوا قوة حماية درنة، وهي قوة لمكافحة الإرهاب، لمحاربة تنظيم الدولة في المدينة، وقد نجحت في طرده منها عام 2015.
وأضاف السنوسي أن المدينة فقدت حوالي 400 شاب في القتال ضد تنظيم الدولة، ونحن نخسر الآلاف في هذه الحرب القبلية غير الشرعية التي يقودها حفتر”.
واليوم، يحاصر حفتر مدينة درنة بهدف إجبار المدينة على الاستسلام لسيطرته، وإعطاءه إمكانية الوصول إلى حقول النفط الحيوية والميناء، وبالتالي أعلن الحرب على درنة تحت ستار تحريرها من الإرهابيين.
هل يتم إحياء قذافي جديد؟
وتتابع الوكالة في تقريرها أن الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في درنة لم تنشر في وسائل الإعلام؛ لأن قوات حفتر أحاطت المدينة بالمواقع العسكرية، رافضة السماح للصحفيين أو منظمات المساعدات الإنسانية بالوصول، على الرغم من دعوة الأمم المتحدة إلى السماح بممرات المرور الآمنة لعمال الإغاثة والمدنيين.
ويدعو أهالي درنة المحاصرين المجتمع الدولي إلى التدخل والمساعدة في إعادة فتح الميناء، والسماح للمدنيين بالمرور الآمن خارج المدينة.
ويقول الناشط غيث السونسي، إن ما يحتا جه السكان في درنة هو خطوات ملموسة من قبل الصليب الأحمر والأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ لإنقاذ المدنيين الأبرياء المتبقين والمباني التاريخية في المدينة القديمة، بما في ذلك المعابد والآثار التي كانت موجودة هنا منذ العهد العثماني.
مضيفا أن “على المجتمع الدولي أن يضع حداً لعمليات القتل والإعدام العلني للمدنيين والاحتجاز غير القانوني والتمييز العنصري،” وفي نهاية المطاف، يسعى حفتر إلى السيطرة الكاملة على ليبيا ويستخدم خطاب “الحرب على الإرهاب” للقيام بذلك.
وتختم الوكالة التقرير بأن حفتر يمارس نفس الطريقة التي مارسها القذافي في حكمه للبلاد من عام 1969 حتى عام 2011، بمحاربته أي شخص يسعى إلى الديمقراطية والتحرر من الطغيان.
لكن المجتمع الدولي تدخل عام 2011؛ لمنعه من قتل شعبه، لكن السؤال الآن هو ماذا سيفعل المجتمع الدولي لمنع القتل الجماعي على يد “الدكتاتور” المستقبلي المحتمل للبلاد؟”
المصدر : “وكالة الأنباء التركية TRT “