الكل يدرك أن المجموعات المسلحة بمن فيها التي من طرابلس تنظر إليها كنظرتها للوليمة التي تسد وتشبع وتغني من الجوع، وأن الشعارات التي ترفعها؛ لبدء الحرب في العاصمة هي شعارات زائفة وكاذبة وتستخدم وسيلة لخداع المواطن؛ من أجل دخول طرابلس ونيل الحصة الأكبر من الكعكة العسكرية والسياسية.
إن الشعارات التي تدعي حماية المواطن وإخراج المليشيات وفرض الأمن في طرابلس قد سئمها المواطن، وصار متأكدا أن الحرب التي تدق أبواب العاصمة في كل سنة منذ عام 2011 هي حرب نفوذ، ويتحمل عبئها المواطن الذي يفكر في كيف يحمي نفسه وبيته الذي يعلم الله وحده كيف تحصل عليه، وإلى أين سيلجأ هربا من ويلات هذه الحروب التي تحرق الأخضر واليابس.
ففي كل مرة منذ عام 2011 تأتي الكتائب المسلحة من مناطق عدة خارج العاصمة بحيلة جديدة، وتشهد أحياء وأزقة وشوارع العاصمة حربا دامية، ثم تعود هذه الكتائب أدراجها من حيث أتت بداعي الصلح والإصلاح والتوصل إلى اتفاقيات، ويبقى صاحب الأسرة الذي فقد ابنه أو زوجته أو بيته متكئا حزينا على ما فقده جراء هذه الحرب، في الوقت الذي تتقاسم فيه هذه الكتائب غنيمة الحرب فيما بينها.
بدأت الاشتباكات في طرابلس أغسطس عام 2014 حين أطلقت عدة مدن عملية “فجر ليبيا” بعد فشل الحكومة في إنشاء جيش وطني موحد يفرض الأمن، العملية التي جاءت ردة فعل على عملية “الكرامة” في طرابلس ولم تنجح في فرض الأمن في العاصمة.
أُخرجت القوة من المطار بعد قرابة 45 يوما من الحرب التي وضعت أوزارها في أبوسليم وطريق المطار والسواني والعزيزية جنوب العاصمة، وراح ضحيتها قرابة 45 مدنيا، وتضرر قرابة المئة منزل، وتسببت في نزوح 5 آلاف عائلة تقريبا إلى مدن الخمس ومصراتة وزليطن والزاوية وصبراتة وغيرها.
من بعد هذه الحرب تعددت الحجج والأسباب ولم تتغير المدينة التي ترتاح فيها النفوس ويلجأ إليها الليبيون كافة لأسباب منها العلاج والعمل و”تغيير الجو”، فقد أصبحت هذه المدينة كالأم التي تحتضن الجميع، حتى من يدوس عليها تغضب منه تارة وتحضنه وتستوعبه تارة أخرى.
لتأتي من بعد هذه الحرب التى استمرت أكثر من عام، حرب النفوذ بين كتائب طرابلس في ديسمبر عام 2016، ومحاولتها السيطرة على مفاصل الدولة، حين أخرجت الفرقة الأمنية السادسة التي اتجهت إلى “غابة النصر” بباب بن غشير حيث تتمركز كتيبة الإحسان والقوات الموالية لرئيس حكومة الإنقاذ خليفة الغويل، ولكن لم تدم إقامة هذه الكتائب في “غابة النصر”، ونشبت حرب جديدة في مارس 2017 بين قوات طرابلس التابعة لحكومة الوفاق وقوات حكومة الإنقاذ المتمركزة في “غابة النصر”.
صحيح أن هذه الحرب لم تدم طويلا ونجحت قوات الوفاق في السيطرة على منطقة باب بن غشير ووسط العاصمة بالكامل، ولكنها تسببت في مقتل قرابة 5 مدنيين ونزوح 17 عائلة، بحسب إحصائية الهلال الأحمر حينها.
وبعد هذه الحرب التي استمرت يومين، عادت الحياة إلى العاصمة، ولكنّ محبي الحروب والدماء حسدوا المواطن على نعمة الهدوء التي عاشها قرابة 3 أشهر وعادوا إلى ميدان الحرب مجددا، وهذه المرة كان نصيب منطقة بوسليم التي اكتوت بنيران الحروب في السنوات السابقة، فاندلعت في فبراير اشتباكات بين قوات الأمن المركزي أبوسليم وكتيبة صلاح البركي وانتهت بسيطرة الأمن المركزي على كامل المنطقة.
الهلال الأحمر أعلن حالة النفير ولم يتمكن من إخراج العائلات العالقة في المنطقة، ونشر عناصره في محيطها تحسبا لحدوث أي طاري، وتضاربت المصادر عن أعداد القتلى في تلك الحرب.
أنا أكتب الآن وأعد الحروب التى شهدتها طرابلس ـ وقد غفلت عن بعضها ـ وكتابتي هذه عن مدينتي لم تكن من منطلق جهوي أو مناطقي بل أتحدث عن واقع أتعب المواطن وزاد معاناته، فالآن تدق الحرب طبولها جنوب طرابلس بين من أطلقت على نفسها “قوة حماية طرابلس” و”اللواء السابع” بدعوى طرد “المجموعات المسلحة” منها، وكأن المهاجمين جيش وطني منقذ للوطن والمواطن، وحتى الآن وبحسب معلومات ومصادر طبية فقد حصدت هذه الاشتباكات المندلعة اليوم قتيلا و17 جريحا.
فبعد الحرب الأخيرة والدامية التى دارت رحاها في أواخر أغسطس بين كتائب طرابلس واللواء السابع ترهونة الذي انتحل صفة الجيش، الحرب التي استمرت أسبوعين كلفت الوطن والمواطن فاتورة باهظة وراح ضحيتها ما يناهز 115 قتيلا و445 جريحا، ناهيك عن المنازل التي لم تستطع الدولة حصرها حتى الآن لأسباب غير معلومة، ولم نسمع عن تعويضات ترفع معنويات المواطن وتشعره بأن هناك من يهتم لأمره.
أتفق مع الجميع على أن كتائب طرابلس تغلغلت في مفاصل الدولة واستغلت القوة والنفوذ لخدمة مصالحها ونهبت وسرقت وكسبت مناصب ولكن في رأيي البسيط ما هكذا يكون الحل، فمثل المرات السابقة سيجنح الجميع للسلم؛ لأنهم يدركون أن لا أحد يستطيع السيطرة على العاصمة، وتبقى أشكال الخراب وآثار الصراع في شوارعها باقية على أمل قدوم من يواسي ويصلح ويطور.