يُعد سوق “اللفة” أو سوق “الدّلالة” من أقدم الأسواق في مدينة مصراتة، ولا يزال محافظا على أصالته وصامداً رغم تهالكه، حاضناً للموروث الشعبي الليبي، مكتسباً رونقاً خاصاً، مُحافظاً على تاريخه الذي يربو عن مائة عام، متربعاً على مساحة تصل إلى ثلاثمائة متر مربع.
مراسل شبكة الرائد زار السوق وتجوّل بين جنباته، للتعرف على ما يعرض فيه من منتوجات تباينت بين “أكلمة وجرود، وأعبية وأكسية”، ورصد انطباعات زائريه والبائعين فيه، وعارضي منتجات أنتجنها أمهاتهم وشقيقاتهم.
يقول “محمد زوبي” ـ 60 عاماً ـ أتردد على هذا السوق منذ 35 عاماً؛ لعرض منتجات والدتي وشقيقتي، المتمثلة في “الكليم المصراتي”، والجرد والفرش الأرضي، موضحاً أن بيعها لا يتولاه شخصياً، بل يتم عبر “الدلاّل” الذي يتواجد بالسوق، ويتقاضى مبلغاً زهيداً نظير مهمته.
يضيف “زوبي” بأن السوق لا يزال يُحافظ على روّاده، مضيفاً أن أغلب المترددين عليه اليوم إما من الأجانب الذين كانوا يعملون بالمدينة، وأرادوا الاحتفاظ بتذكار منها، أو من أهالي الجنوب الذين يولون المنتجات التقليدية اهتماماً كبيراً، مشيرا إلى أن أغلب الباعة في السوق اليوم ممن توارثوها عن أجدادهم جيلاً بعد جيل.
إلا أن أحد أبرز الباعة بالسوق “الصادق سوالم” أبدى لـ الرائد استياءه من عدم اهتمام الدولة بمبنى السوق كونه من المعالم القديمة بمدينة مصراتة، واصفاً الإقبال على المنتجات فيه بـ “الضعيف”؛ بسبب عدم اهتمام المواطنين بالمنتوجات التقليدية.
وأشار “سوالم” إلى أن أسعار ما يُباع في السوق من منتوجات خضعت للزيادة؛ بسبب ارتفاع أجر اليد العاملة، وارتفاع أسعار الخام، مضيفاً أن البازارات والمعارض التي تقام بين كل حين وآخر تشجع باعة السوق والأسر المنتجة في المدينة على عرض وتسويق منتوجاتها.
ويرى أحد المشترين الذين التقت بهم الرائد “علي مصطفى” – 29 عاماً- أن الاقبال على السوق اليوم ضعيف جداً من قبل الشباب، إلا أنه أكد أن غالب المترددين على السوق هم من كبار السن الذين يهتمون بشراء نوع معين من المنتوجات كالطاقية أو البدلة المصراتية.
ولا يرى أن الأسعار حائل يمنع المواطن من شراء المنتجات المعروضة في السوق، مؤكداً أن الأسعار في متناول الجميع، ولم تخضع لأي زيادة، معرباً عن استيائه من تحول ارتداء البدلة المصراتية كجانب من الحفاظ على الموروث إلى نوع من الموضة التي غزت عقول الشباب، وفق قوله.
ويُقر الكاتب الصحفي والمسؤول الأسبق لقطاع الإعلام بمصراتة “محمد الزعلوك” أن السوق كان محور ارتكاز النشاط التجاري والصناعات التقليدية بمصراته، باعتبار أن المجتمع المصراتي وقتذاك كان يعتمد اعتماداً كبيراً في دخله على إنتاج ربات البيوت من المشغولات الصوفية، وفق قوله.
وعدّد “الزعلوك” لـ الرائد المشغولات التي تباع في السوق، وهي “الجرد” و”العباء” و”الكليم” و”الفرش” و”الكوفية” إضافةً إلى “الطاقية المصراتية”، منوهاً إلى أن النساء كن يقضين جل وقتهن في التجهيز لمنتوجاتهن بداية من شراء الصوف الخام وغسله وتجفيفه، ثم تحويله إلى خيوط تتفاوت كثافتها من الدقيق جداً إلى الخشن نوعاً ما ثم صبغه بألوان مختلفة.
وأوضح “الزعلوك” أن مبنى السوق يعد من المباني الأثرية كونه شُيّد في العهد العثماني، مضيفاً أن أيام السوق قديماً كانت الأحد والثلاثاء والخميس، وأضيفت أيام السبت والأربعاء والجمعة بعدُ لأيام السوق.
ولم يؤكد المدير الأسبق لمكتب فرع وزارة السياحة مصراتة “محمد بن صلاح” لـ الرائد ما إن كان مبنى السوق لا يزال تابعاً لمراقبة الصناعة بعد ضمه لها منذ 11 عاماً، أو ضُم لهيئة أخرى.
إلا أن “بن صلاح”، أكد إعفاء باعة السوق من دفع الضرائب؛ لتشجيع الصناعة المحلية وحمايتها من الانقراض، مشيراً إلى أنهم حاولوا صيانة السوق وترميمه إلا أنه تعذر عليهم الحصول على شركة متخصصة في ذلك، مضيفاً أن باعة السوق اليوم اضطروا لصيانته بمواد حديثة.