جدل دستوري ومعاناة إنسانية وأعمال عنف
بدأ عام 2018 بجدل دستوري حول الهيئة الدستورية لصياغة الدستور، فبعد أن أنجزت الهيئة مشروع الدستور أواخر عام 2017، رفع ناشطون دعوى ضدها في محكمة جنوب بنغازي الابتدائية، ولكن المحكمة أنهت الجدل سريعا وقضت، في مطلع يناير، بأن أعمال الهيئة لا تخضع للقضاء، بوصفها منتخبة من الشعب الليبي، وهو صاحب الحكم فيها.
واستمر الجدال السياسي بين لجنتي الحوار بالمجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب حول استكمال التعديلات على الاتفاق السياسي، وإعادة تشكيل السلطة التنفيذية، في لقاءات أقيمت في تونس، وأيضا حول الوصول إلى صيغة توافقية حول قانون الاستفتاء، دون التوصل إلى حلول مجدية.
في مطلع فبراير، قرر عدد من أهالي تاورغاء العودة لمدينتهم بعد وعد الرئاسي لهم بذلك في أواخر 2017، ولكن مجموعة مسلحة اعترضتهم ومنعتهم من الدخول، فور ذلك دعا بلدي مصراتة إلى تأجيل العودة؛ بسبب خرق مواد الاتفاق بين المدينتين، محمّلا لجنة المجلس الرئاسي المتابعة لتنفيذ الاتفاق، مسؤولية المعالجة الخاطئة لملف مصراتة وتاورغاء، وخرق الاتفاق الموقع بين لجنتي حوار مصراتة وتاورغاء، وخيم حينها نحو 143 عائلة من أهالي تاورغاء في منطقة قرارة القطف قرابة 3 أشهر، وسط ظروف إنسانية قاسية.
ولم يخل الربع الأول من عام 2018 من أعمال مسلحة، فقد شهدت مدينة سبها خلال شهر مارس صراعا مسلحا بين قوات تابعة للتبو وبين اللواء السادس، استعملت فيها الأسلحة الثقيلة، مخلفا قتلى وجرحى، ومؤديا إلى نزوح عدد من المواطنين من الأحياء القريبة من الاشتباكات جراء تدهور الوضع الأمني.
وفي سابقة مختلفة من نوعها قرر ممثلو 107 بلديات، في اجتماع بطرابلس، تكوين فريق عمل من عمداء البلديات يشرف على حوار مباشر بين لجنتي الحوار عن مجلسي النواب والأعلى الدولة، برعاية الأمم المتحدة، مطالبين المجلس الأعلى للقضاء بتولي زمام الأمور في البلاد، وتشكيل حكومة تسيير أعمال لا تزيد مدتها عن سنة، في حال انقضاء المدة الممنوحة للجنة العمل.
تغير في الخارطة السياسية والاجتماعية والأمنية
واستُفتِح الربع الثاني من هذا العام، بانتخاب أعضاء المجلس الأعلى للدولة خالد المشري رئيسا جديدا للمجلس بـ 64 صوتا، مقابل 45 تحصل عليها منافسه الرئيس السابق للمجلس عبد الرحمن السويحلي، في جلسة حضرها 121 عضوا.
وفي محاولة لفك الجمود السياسي، استجاب المشري بعد انتخابه رئيسا للأعلى للدولة ـ لدعوة من البرلمان المغربي للقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في العاصمة المغربية الرباط.
كما تناقلت عدة مصادر، في منتصف أبريل، خبر وفاة قائد عملية الكرامة خليفة حفتر بعد ورود معلومات عن تدهور حالته الصحية جراء إصابته بجلطة دماغية استدعت نقله للعلاج في فرنسا، وسط تعتيم إعلامي من وسائل الإعلام المقربة من قيادة الكرامة، إلى حين ظهوره بعد ذلك بفترة، وإقرارهم أنه كان في رحلة علاجية بالخارج.
وفي مطلع مايو، كشف القنصل الليبي السابق في مصر عادل الحاسي عن قضايا فساد، وهدر لأموال وممتلكات الدولة، تتعلق بنائبين بالمجلس الرئاسي، ونائب بمجلس النواب، ووزراء التعليم والخارجية والمالية بحكومة الوفاق.
ولم ينقضِ مايو إلا بمبادرة فرنسية دعا فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وقائد عملية الكرامة خليفة حفتر، والمبعوث الأممي غسان سلامة، ورؤساء وممثلين لأكثر من 20 دولة؛ إلى الوصول إلى تسوية سياسية للأزمة الليبية، واتفق على إنشاء قاعد دستورية تؤسس لانتخابات تجرى نهاية 2018.
وفي إحدى ليالي شهر رمضان، وُقّع على ميثاق صلح بين مدينتي مصراتة وتاورغاء في بداية يونيو، وأنهى بذلك معاناة 7 سنوات من النزوح لأهالي تاورغاء.
وفي أواخر يونيو، شهدت منطقة الهلال النفطي اشتباكات مسلحة بين قوات حفتر والجضران أدت إلى خسائر بلغت أكثر من 400 ألف برميل، وتعطيل الصادرات، وتدمير خزانين للنفط الخام، وخسائر بعشرات المليارات.
وعقب هزيمة الجضران في الموانئ النفطية، قررت قوات الكرامة تسليم الموانئ النفطية إلى الحكومة الموازية في الشرق البلاد، ولكن هذا القرار لم يستمر طويلا، بعد رفض المجتمع الدولي لتصدير النفط عبر المؤسسة الموازية ومطالبته بتسليم الموانئ دون قيد أو شرط للمؤسسة الشرعية في طرابلس، وحديث الإعلام حينها عن رسالة شديدة اللهجة من الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب ” لخليفة حفتر وعقلية صالح.
وفي نهاية يونيو، أعلنت قوات الكرامة سيطرتها على مدينة درنة، بعد معارك استمرت أشهرا عدة، لتسقط آخر مدن المنطقة الشرقية في قبضة حفتر.
تطورات متسارعة
وشهد مطلع أغسطس أحداثا مبشرة، فقد عادت أكثر من 200 عائلة من تاورغاء إليها، لكن لم تكن نهاية الشهر كذلك إذ باغتت أحداث أليمة العاصمة طرابلس، فقد اندلعت اشتباكات مسلحة بين اللواء السابع من ترهونة وعدة كتائب من طرابلس، جنوب المدينة، وخلفت 100 قتيل و300 جريح.
وفي سياق أحداث طرابلس، توصلت أطراف النزاع في سبتمبر لاتفاق على وقف إطلاق النار برعاية بعثة الأمم المتحدة، وإعادة فتح مطار معيتيقة.
وقدم مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا غسان سلامة إحاطته، في سبتمبر، عقب أحداث طرابلس، حول تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، إلى مجلس الأمن الدولي، وتطرق في إحاطته إلى ملف الإصلاح الاقتصادي، وبيّن أن البعثة ترى في طلب رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج للدعم الدولي لإجراء مراجعة مالية ـ فرصةً ثمينةً لتحقيق الشفافية والمساءلة بشأن كيفية إدارة ثروة ليبيا.
وفي منتصف سبتمبر، قرر مجلس الأمن التمديد لبعثة الأمم المتحدة في ليبيا عاما آخر، محددا مهامها بدعم العملية السياسية في ليبيا والمساعدة في إجراء الانتخابات في أقرب وقت.
وينعكس المشهد إيجابا على الناحية الاقتصادية، فقد وقع، في 12 سبتمبر، على برنامج الإصلاح الاقتصادي، واتفقت الأطراف المعنية على شكله النهائي.
كما تطور الموقف السياسي، وقرر مجلس النواب في سبتمبر إعادة هيكلة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، واختيار رئيس حكومة منفصل عنه، وذلك بالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة.
ترتيبات أمنية وتغييرات وزارية وخطة أممية جديدة
وفي بداية أكتوبر، أجرى رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج تعديلا وزاريا مفاجئا عين فيه فتحي باشاغا وزيرا للداخلية بدلا من عبد السلام عاشور، وعلي العيساوي وزيرا للاقتصاد والصناعة، وفرج بومطاري وزيرا للمالية، كما عيّن بشير القنطري رئيسا للهيئة العامة للشباب والرياضة.
كما اعتمد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج الخطة الأمنية لتأمين طرابلس الكبرى المعدة من لجنة الترتيبات الأمنية.
وفي إحاطة أخرى لمبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة أمام مجلس الأمن، أعلن فيها انعقاد المؤتمر الوطني الجامع مطلع العام المقبل؛ لدفع العملية السياسية في ليبيا إلى الأمام، أعقبه ترحيب دولي.
بعد إحاطة سلامة، اتجهت الأنظار منتصف نوفمبر إلى مدينة باليرمو الإيطالية حيث عقد هناك مؤتمر دولي حول ليبيا بعنوان “مع ليبيا ومن أجلها”، مؤتمرٌ لا يختلف في مساعيه عما سبقه من المؤتمرات التي تحاول في ظاهرها حلحلة الأزمة السياسية الليبية.
المؤتمر خرج بمجموعة من التوصيات والتأكيدات، أبرزها: العمل على إصدار قانون الاستفتاء، واستكمال الاستحقاق الدستوري، وإنجاز الانتخابات في غضون ربيع 2019، ودعم المؤتمر الوطني الجامع، وبناء مؤسسة عسكرية موحدة تحت سلطة مدنية، مع الترحيب بالإصلاحات الاقتصادية والأمنية التي تجريها حكومة الوفاق، والحث على إنهاء ازدواجية المؤسسات.
كما اعتمد مجلس الأمن الدولي تمديد العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا حتى 20 فبراير 2020.
وقبل انتهاء شهر نوفمبر، أعلن مجلس النواب إنجاز قانون الاستفتاء على مشروع الدستور، وإجرائه تعديلين للإعلان الدستوري، التعديل العاشر الذي حصن فيه المادة السادسة لقانون الاستفتاء على الدستور التي قسم فيها ليبيا إلى ثلاث دوائر انتخابية، والتعديل الحادي عشر الذي نص في المادة الثانية منه على “أنه لا يترتب على هذا التعديل إضفاء أي شرعية على أية أجسام أو مراكز قانونية نشأت قبله ولم تكن مضمّنة في الإعلان الدستوري”، ليسلم بعد ذلك مجلس النواب قانون الاستفتاء على الدستور، للمفوضية العليا للانتخابات في ليبيا.
وفي سياق السجال المستمر بينهما، أعلن المجلس الأعلى للدولة، مطلع ديسمبر، رفضه المادة الثانية من التعديل الدستوري الذي أجراه مجلس النواب، وعدّ التعديلين العاشر والحادي عشر للإعلان مخالفَيْن للاتفاق السياسي.
وبعد نحو شهرين من تعيينه فاجأ وزير المالية بحكومة الوفاق فرج بومطاري، في ديسمبر، الجميع باستقالته من منصبه، متهمًا مصرف ليبيا المركزي بالقفز على السلطة التنفيذية، ومعللا استقالته بتغييب الوزارة عن كثير من القرارات التي تؤثر في السياسة المالية.
وقرر الاتحاد الأوروبي، منتصف ديسمبر، تمديد مهمة عمل بعثته في البحر الأبيض المتوسط “صوفيا” إلى 31 من مارس 2019.
وقبل أن ينتهي العام استيقظت العاصمة على هجوم انتحاري قام به تنظيم الدولة على مقر وزارة الخارجية، أسفر عن مقتل 3 أشخاص وجرح 21 آخرين.
ليعلن بعدها وزير الداخلية عدم تنفيذ الترتيبات الأمنية، ويتهم مخابرات دول أجنبية بنشر الفوضى الأمنية في البلاد.
ووسط الجمود السياسي الذي يخيم على المشهد الليبي بين رغبة في تغيير المجلس الرئاسي، وتعديلات دستورية ألغى بموجبها مجلس النواب الأجسامَ السياسية الأخرى، وانتظار لانعقاد المؤتمر الوطني الجامع مطلع العام المقبل، هل نشهد في 2019 حقبة سياسية جديدة وتوحيدا للسلطة التنفيذية والتشريعية ولمؤسسات الدولة المنقسمة؟