يودّع الليبيون عامهم هذا وهم يترقبون في مطلع عامهم الجديد عقد الملتقى الوطني الجامع بين متفائل يعقد الآمال وآيسٍ قطع حبالها، هذا الملتقى الذي يعتبر أحد الركائز الرئيسية لخطة المبعوث الأممي غسان سلامة، والذي يهدف بحسب خطته –أي سلامة- إلى تكوين قاعدة مجتمعية تكون داعمة ورافدةً للعملية الانتخابية كنهاية للمراحل الانتقالية، ولتعويل المبعوث الأممي على هذا الملتقى فقد أراد أن يحضّر له جيداً من خلال توسيع المشاورات مع مختلف الأطراف والأطياف الفاعلة في المشهد الليبي، وقد كلّف بهذه المهمة مؤسسة الحوار الإنساني التي قدمت تقريرها للبعثة في نوفمبر الماضي محاولةً بلورة أهم القضايا التي تشغل عموم الليبيين والتي تمثل نقاط الخلاف فيما بينهم، وبدأت البعثة تحضر لعقد هذا الملتقى.
المطالع لتقرير المسار التشاوري للملتقى الوطني الليبي يستعشر عموميات القضايا التي خرج بها التقرير على أنها أهم ما يشغل الليبيين وهي ما يسبب حالة انهيار الثقة فيما بينهم، ولن يتمكن المطالع من تجاوز حالة التساؤل عن الآلية التي سيدار بها هذا الملتقى والكيفية التي سيتم بها مناقشة هذه القضايا، إضافة إلى معايير التمثيل التي ستعتمدها البعثة عند عقدها لهذا الملتقى وتوجيه الدعوات لحضوره، ويبقى التساؤل الأهم والأخطر هو: هل سينجح هذا المؤتمر في الخروج بتوافقات وطنية، وهل سيكون لها التأثير الإيجابي على العملية السياسية؟
حالة الانسداد والجمود التي يفرضها مجلس النواب على العملية السياسية والوضع الهشّ في طرابلس وتعنّت حفتر وتشتت الموقف الدولي وعجز مجلس الدولة بصلاحياته الضيقة عن تقديم شيء – كل هذه الأمور تدفع في اتجاه التعويل على هذا الملتقى ليخرج العملية السياسية من مأزق التعطيل والمراوحة في المكان؛ بسبب مماطلة ومراوغة مجلس النواب وتيار استدامة الأزمة بعمومه.
قد يقلّل بعض المتابعين من جدوى هذا الملتقى ويعتبره محطة عابرة من محطات الأزمة الليبية في نفقها الطويل، خاصة وأن ما صدر عن مؤتمر باليرمو أكّد على أن هذا الملتقى لن يكون بديلاً عن الأجسام السياسية القائمة، وإن كانت وجهة النظر هذه معتبرةً، غير أنه يمكن تجاوز ذلك متى ما تمّ التوافق بين بقية الأطراف على تجاوز مجلس النواب باعتباره طرفاً معرقلاً وعاجزاً عن أداء مهامه والإيفاء بالتزاماته، ويمكن تحقيق هذا من خلال سعي مجلس الدولة في هذا الاتجاه بالتنسيق مع البعثة الأممية وإعداد صيغة توافقية وطنية لمشكلة الاستفتاء على الدستور، تشارك معهم في إعدادها هيئة صياغة مشروع الدستور مع أعضاء مجلس النواب غير الراضين عن أداء المجلس برئاسته الحالية، كما تساهم في ذلك المكونات والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وهذا من شأنه أن يكرس عزلة مجلس النواب في المشهد السياسي والتي بدأت تتضح بعد الدعم الدولي الكبير الذي صار يحظى به المجلس الرئاسي كجسم قادر على تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار إلى حين إجراء الانتخابات.
نجاح الملتقى الوطني الجامع مرهون بحل إشكالية المرجعية الدستورية للانتخابات، والتي متى حُلت لاح الضوء في آخر نفق الأزمة وبدأ العدّ التنازليّ لإنهاء المراحل الانتقالية، وهذا الأمر يتطلّب تعاطياً جادّا من البعثة الأممية مع مجلس الدولة وبقية الفاعلين السياسيين المعترفين بالمسار التوافقي الذي أُسس على الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات، كما يستلزم من البعثة الأممية أن تسعى في حشد الدعم الدولي لمخرجات هذا الملتقى وما ينبثق عنه.
يتفق الجميع على أن حلّ الأزمة لن يكون إلا من خلال صناديق الاقتراع وبإجراء انتخابات عامة نزيهة وشفافة يقبل الجميع نتائجها، كما يقرّ الجميع أن العقبة الرئيسية التي تحول دون إجراء الانتخابات هي الوصول إلى توافق حول مرجعية دستورية لهذه الانتخابات، لذلك فإن تكريس الملتقى الجامع لحلّ هذا الإشكال وعدم تشتيته في قضايا وعموميات يستطيع الليبيون حلّها متى كان لعمليتهم السياسية قاعدة رصينة يديرونها من خلالها هو ما توجبه أولويات المرحلة وراهن الظرف السياسي، أما المغامرة بجعل الملتقى براحاً لنقاش يصعب السيطرة عليه فالأرجح أن الأمر سيؤول إلى مهرجان للخطاب والاستعراض السياسي لا أكثر.
المصدر : موقع ليبيا الخبر