خطوات مجلس النواب فيما يتعلق بتضمين الاتفاق السياسي وتعديل الإعلان الدستوري لتحصين المادة السادسة في قانون الاستفتاء على مشروع الدستور رغم تأخرها جداً إلا أنها لاقت ترحيباً كبيراً من أغلب الأطراف السياسية، خاصةً وأنها تؤذن بإنهاء الإشكال الكبير حول المرجعية الدستورية للانتخابات العامة التي ستقبل عليها البلاد كمخرج وحيد من أزمتها الممتدة.
هذه الخطوات وإن كانت للوهلة الأولى إيجابية وقد تدفع بالعلمية السياسية قُدُماً نحو الحلحلة والانفراج، إلا أن شيئاً من التأمل في الآليات التي أنتجتها والسياق التي أتت من خلاله قد يبعث هذا التأمل على القلق والتخوف مما قد يحدث نتيجة الضبابية وعدم الوضوح الذي صاحب هذه الاستحقاقات، وقد برز هذا في الصياغة التي صدرت عن مجلس النواب بشأن هذه التعديلات، وقد عبر رئيس المجلس الأعلى للدولة عن ذلك في كلمته أمام أعضاء مجلسه مشيراً إلى أن هناك أمور جاءت مخالفاً لما تمّ التوافق عليه بين لجان الحوار والمتابعة في المجلسين، وأن هذه الصياغة تحتاج إلى مراجعة مع مجلس النواب، وهذا المؤشر وحده يبعث على مزيد تفحّص لغاية ومرمى مجلس النواب من هذه الخطوات المتأخرة.
يدرك مجلس النواب أن مجهودات المجتمع الدولي أصبح جلّ تركيزها على دعم المجلس الرئاسي لإنجاح الترتيبات الأمنية والإصلاحات الاقتصادية، كما أن نجاح الملتقى الوطني الجامع في الخروج بحالة توافق متينة قد تساهم في تخطي مجلسي النواب والدولة إذا ما استمرّا في حالة الجمود والعجز، لذلك فإنّ هذه الخطوات تأتي في سياق إرباك المشهد من خلال تغيير السلطة التنفيذية الذي من شأنه أن يزعزع حالة الاستقرار الهشّ الذي بدأت تشهده العاصمة طرابلس مما سيوقف العمل على الترتيبات الأمنية والإصلاحات الاقتصادية وربما ينسف ما تم إنجازه منها، أيضاً فإن عملية تعديل السلطة التنفيذية وإعادة هيكلتها سيحدث حالة من الفوضى والتداخل بين الأطراف السياسية مما سيلقي بظلاله على الملتقى الجامع وقد يؤدي إلى ضعفه مخرجاته.
ولا يمكن تجاهل أن مجلس النواب يركز في خطابه على تعديل السلطة التنفيذية وكأنها الباب للخروج من الأزمة، ولا شك أن هذا الحرص على تعديل السلطة التنفيذية يأتي نتيجة السعي الحثيث لرئيس مجلس النواب أن يكون أحد أعضاء المجلس الرئاسي الجديد، وهو ما يفسر أيضاً تجاهل مجلس النواب لأي لأمر آخر في الاتفاق السياسي، وهو ما يثير التساؤل حول حقيقة تضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري هل هو تضمين كامل أم جزئي؟ وما صحة هذا الإجراء دستورياً؟ وما مصير المادة الثامنة من ملحقات هذا الاتفاق والتي تنص على تمتع المجلس الرئاسي بصلاحيات القائد الأعلى للجيش الليبي وخضوع كل القوة العسكرية لسلطته؟-كما تنص المادة-، وهذا ما لا يوافق هوى قائد عملية الكرامة الذي يصرّ على البقاء سلطة موازية رافضاً الخضوع لأي سلطة مدنية قبل إجراء الانتخابات.
أما فيما يتعلق بالتعديل الدستوري الذي حصّن المادة السادسة من قانون الاستفتاء على مشروع الدستور، فإضافة إلى ما يثار حول عدم دستورية هذا الإجراء وإمكانية الطعن عليه، فإن هذه المادة نفسها جعلت من إمكانية حصول مشروع الدستور على ثقة الشعب أمراً صعباً جداً بعد أن قسمت ليبيا إلى ثلاث دوائر انتخابية يتوجب أن يحصل الدستور على ثقة 51% من نسبة الأصوات في كل دائرة وأن يحصل على ثقة ثلثي مجموع الأصوات في الدوائر الانتخابية الثلاث، ومع أن احتمالية تمرير مشروع الدستور بهذه الكيفية ضعيفة فإن قانون الاستفتاء لم يُشر إلى مصير مشروع الدستور في حال رفضت، وهل سيتم تعديله ومن سيتولى عملية التعديل؟ بل ترك الأمر للمجهول وهو أمر خطير قد يعود بنا إلى مربع الصراع الأول.
إن هذه الأمور تؤشر بشكل واضح أن مجلس النواب كان في خطواته الأخيرة ارتجالياً لا يهدف إلا لإطالة أمد بقائه في السلطة ما استطاع لذلك سبيلاً، وهذا الأمر يستوجب على المجلس الأعلى للدولة أن يتوقف عن مسايرة مجلس النواب ومجاراته فيما يُقدِم عليه، ومحاولته إعادة التوازن للمشهد من خلال الضغط على مجلس النواب من أجل تقديم ضمانات حقيقية لكل إجراءاته، وأقلُّها توحيد السلطة التنفيذية الحالية وإلغاء الحكومة الموازية، والحسم فيما يتعلق بالمادة الثامنة بما يضمن مدنية الدولة، والعمل على أن إقرار قانون استفتاء يتم بشكل دستوري ومتكامل وواقعي، أما الإصرار على اختزال المشهد في تغيير الرئاسي فإنه لا يعدو كونه شراكةً بين المجلسين في مشروع استدامة الأزمة وإطالة أمدها.
المصدر: موقع ليبيا الخبر