in

علاج-السرطان-موجود-داخل-أجسامنا

أعلن مؤخرا حصول كل من الدكتور جيمس أليسون James P. Allison من مركز أندرسون لعلاج السرطان بجامعة تكساس، والدكتور تاسوكو هونجي Tasuku Honjo من جامعة كيوتو اليابانية، مناصفًة، على جائزة نوبل للطب والفيسيولوجيا في العام 2018، عن إنجازاتهما في العلاج المناعي للسرطان، حيث تمكن كلٌ منهما، بشكل منفصل ومختلف، من إيجاد طريقة لرفع قدرة الجهاز المناعي الخاص بنا على مهاجمة الخلايا السرطانية ما أحدث ثورة في عالم السرطان وعلاجه، تكلل تلك الجائزة مسيرة تقترب من 150 سنة، بداية من برادلي كولي إلى الثنائي الفائز.

كيف دخلت أجسامنا إلى الحرب؟

هناك الملايين من الكائنات الحية، تتضمن البكتيريا والفيروسات والفطريات، تحاول أن تسكن جسدك وتتغذى على ما فيه خيرات، لهذا السبب طوّرت أجسادنا جيش كامل من الخلايا الخاصة متنوعة الأشكال والوظائف لكي تصد هذا الهجوم، لكن هذه الحرب الضروس لا تبدأ إلا بعد خطوة أولى استخباراتية هامة، وهي التعرّف على الجسم الغريب.

تلك المهمة الاستخباراتية يقوم بها نوع من خلايا الدم البيضاء المناعية يسمى بـ “الخلايا التائية”(3) (T-Cells)، وهي تفعل ذلك ببراعة شديدة، لنتخيل مثلًا أن فيروسًا ما قد دخل حالًا إلى إحدى خلاياك، وبدأ بعد ذلك باحتلالها عبر نفث مادته النووية بها، ما سوف يغير بدوره من البيئة الداخلية للخلية، حينما يحدث ذلك فإن بعض الأنواع من المستقبلات المتواجدة على سطح تلك الخلية يُغيّر بالتبعية ما يمتلكه من معلومات عن الداخل.

الخلايا التائية، والتي تدور في الدم باستمرار وتستخدم تقنية يمكن أن نشبهها – بتبسيط شديد قد لا يفي الفكرة معناها – بجهاز الباركود القارئ للسلع في المركز التجاري، والذي يمر ليقرأ تلك المستقبلات المتواجدة على سطح الخلايا.

كل خلية سليمة تعطي كود محدد يدفع الاستخبارات التائية لإعطاء ضوء أخضر وتمريرها بأمان، فهي تابعة لنا، لكن حينما تمر تلك الخلايا المصابة على جهاز الباركود التائي فإن إنذارًا بضوء أحمر ينطلق قائلًا: “هذه الخلية ليست تابعة لنا، تحتوي على جسم غريب”، هنا تبدأ الحرب المناعية، والتي تتضمن هجوم مضاد على تلك الخلية المصابة يتسبب في موتها، ثم بعد ذلك تنسخ الخلايا التائية أرشيف تلك الحرب لكي تتجهز لأي هجوم قادم من نفس النوع.

أجسامنا كسلاح ضد السرطان

في العام 2010، أظهرت دراسة سريرية مهمة آثارًا مذهلة في المرضى المصابين بسرطان الجلد المتقدم، وفي مجموعة منهم اختفت علامات السرطان المتبقي. مثل هذه النتائج لم يسبق رؤيتها من قبل.

وفي عام 2012 أظهرت دراسة رئيسية هامة فعالية واضحة في علاج المرضى الذين يعانون من أنواع مختلفة من السرطان. كانت النتائج مثيرة للانتباه، بسبب طول الفترة قبل ارتداد السرطان مرة أخرى أو عدم ارتداده على الإطلاق، كذلك كانت النتائج رائعة في حالة المرضى الذين يعانون من سرطان النقيلي(6) Metastatic Cancer (عملية انتقال الخلايا السرطانية من عضو إلى آخر) وهي حالة كانت تعتبر سابقا غير قابلة للعلاج بشكل أساسي.

وخلال الأعوام الثمانية السابقة ظهرت العديد من الأدية الجديدة التي تختص بعلاج بعض أنواع السرطانات مناعيًا، لكن الملفت للانتباه كان دائمًا نسب نجاح عملية الدمج بين العلاجين، فنحن نعرف أن كل منهما يلعب بآلية مختلفة تمامًا عن غيره، بالتالي فإن دمجهما معًا يحفز الهجوم على الخلايا السرطانية بصورة أفضل،

هل هي حرب ضد الجسم أيضًا؟

على مدى أكثر من 70 سنة حاول الباحثون أن يستخدموا مناعة الجسم الخاصة للهجوم على السرطان، لكن معظم التجارب في هذا المجال لم تفلح، وفي مرحلة ما كان الحديث عن العلاج المناعي للسرطان هو أقرب ما يكون لعلم زائف، لهذا السبب توجهت النشاطات البحثية المتعلقة بهذا البروتين CTLA-4 إلى ابتكار أدوية تتعلق بأمراض مناعية.

تؤكد الدراسات أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تجعل من العلاج المناعي فرصة ذهبية لمرضى السرطان، الأول هو ميل هذا النوع من العلاج للعمل على الخلايا السرطانية فقط

لكن مع الميل الأكبر للهجوم على الخلايا السرطانية كانت النتائج مبشرة للغاية، خاصة وأن هذا النوع من العلاج يمتلك ميزة ثانية غاية في الأهمية، وهي الذاكرة. والقدرة الأكبر على التكيف مع التعقدات المستقبلية للحالة.

لماذا لا نعالج السرطان للأبد ونمضي؟

يسأل الكثيرون لماذا هو عصي إلى هذا الحد رغم كل هذا البحث على مدى عشرات السنين؟

أن علاجا واحدا قد لا يتسبب في شفاء كل الحالات، فالورم الخاص بكل منها يختلف بصورة ما عن الآخر، لأن كل حالة لها مسارها الجيني المختلف عن الأخرى.

في النهاية فإن نوبل للطب والفيسيولوجيا 2018 هي رسالة هامة من هيئة نوبل، خاصة وأن تلك هي أول جائزة نوبل تخرج “لعلاج” تم طرحها لمكافحة السرطان، رسالة تقول للمرضى إن هناك أمل، في السنوات الفائتة انتشرت موجة شك ويأس واسعة لتضرب مرضى السرطان، وغير المرضى أيضًا، فمع طول الفترة التي أخذها البحث العلمي في الكفاح ضد السرطان، خرج البعض ليقول إن الأمر ربما سيظل كذلك، أدّى ذلك اليأس من العلم إلى موجة أخرى مقابلة ترك المرضى فيها العلاج ولجؤوا إلى الطب الشعبي والعلم الزائف، لكن نوبل 2018 جاءت لتقول لمرضى السرطان إن هناك محاولات ناجحة، وتطورات غير مسبوقة، جاءت لتقول لهم: “لا، انتظروا، ولا تيأسوا، العلاج قادم”.

المصدر: موقع ميدان

كُتب بواسطة raed_admin

هل يؤثر ارتفاع الناتج المحلي لليبيا على الإصلاحات الاقتصادية؟ وكيف؟

الشويهدي: حفتر كون مليشيا من عائلته لقمع من يقول “لا”