الإعلام هو الواجهة الإخبارية التي تنقل الحدث وتحلله وتقرؤه، وتستكشف أبعاده ومداه وتداعياته، لكنه يمثل أيضا منصة حرة لتوجيه الحدث أو لإعلان حرب لا تختلف عن الحرب الحقيقية؛ لأن مداها يتجاوز في الحقيقة لحظة الفعل ليكون دافعًا له.
الفعل الإعلامي فعل ذو حدين وواجهتين، تتحدد طبيعته بطبيعة الموجه نفسه، وبطبيعة الضوابط التي تحكمه، فالمتأمل في طبيعة التعاطي الإعلامي الليبي مع الأحداث المتسارعة التي شهدتها طرابلس يكتشف اختلافا كبيرا في طبيعة التناول بين إعلام مؤجج للحرب وناقل للشائعات، وإعلام يحاول تهدئة الوضع وينقل الحقيقة برؤية محايدة، في غياب شبه تام لإعلام حكومي مؤثر على أرضع الواقع.
الحكومة مقصرة
رئيس مجلس تاورغاء المحلي عبد الرحمن الشكشاك، انتقد الدور الإعلامي لحكومة الوفاق في نفي الشائعات وتغطية الأزمات التي تمر بها البلاد، خاصة في الأحداث الأخيرة التي شهدتها طرابلس.
وقال الشكشاك، خلال اجتماع البلديات الغربية برئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، إن الإعلام المضاد نجح أكثر من إعلام الحكومة في تغطية اشتباكات جنوب طرابلس الأيام الماضية، وأن المواطن أصبح ينقل الشائعات عن صفحات التواصل الاجتماعي.
وطالب الشكشاك حكومة الوفاق بأن تخرج في الإعلام وتوضح لليبيين أسباب المشاكل التي تواجه البلاد، مثل: نقص السيولة والدقيق، وغيرها من الأزمات، وتفعيل الأجهزة الأمنية للدولة.
الإعلام يفتقد للمهنية
من جهة أخرى، بيّن الكاتب الصحفي عبد الرزاق الداهش، أن الصحفي معني بإدارة الحقائق، وليس صناعة الحرائق، وأن السلوك الإعلامي كان يساعد على المزيد من التجييش والتحريض، وكانت النتيجة سقوط ضحايا وتدمير ممتلكات ونزوح عائلات.
وأوضح الداهش، في تصريح للرائد، أن تعاطي الإعلام مع أحداث طرابلس كان تعاطيًا يفتقد للمهنية، فالتعامل مع النزاعات المسلحة له مدونة سلوك وكراسة شروط مهنية، تتطلب من الصحفي القائم بالاتصال استخدام امتحان الأذى، والامتناع عن نقل الأنباء التي يمكن أن تساهم في توتير الأجواء واستمرار الحرب، أو تبثّ الخوف في نفوس الناس.
وأضاف الداهش أن الصحافيين في حاجة ماسة لميثاق شرف خاص بالعمل الصحفي أثناء النزاعات المسلحة، وأن ما نراه من اصطفاف لصحفيين مع هذا المعسكر أو ذاك، هو انتهاك لأخلاق مهنة الصحافة.
إعلام منقسم
وقال الإعلامي عبد العزيز عيسي، إن تعاطي الإعلام مع أحداث طرابلس الأخيرة، والأحداث بصفة عامة، لم يكن في المستوى المطلوب.
وأكد عيسي، في تصريح للرائد، أن الإعلام بات منقسما بين إعلام حكومي سلك مسلك حكومة الوفاق بشأن التهدئة وإيجاد حل للنزاع، وإعلام آخر منقسم بين إعلام قريب من طرف، وإعلام قريب من الطرف الآخر.
وأضاف عيسي أن المواطن أصبح مشتتًا لا يعلم ما الذي يجري في العاصمة من اقتتال، ولا يعلم شيئا عن خلفيات الأطراف المتقاتلة أو عن الحرب التي تتواصل للأسبوع الثالث.
لا وجود للحيادية
من جهة أخرى، أكد مدير المختبر الإعلامي بجامعة طرابلس خالد غلام، أن جميع القنوات المحلية تفتقر إلى الحيادية، وكل قناة تعكس توجهها، مؤكدًا أن تعاطي الإعلام مع أحداث طرابلس كان أقل من الجيد.
وصرح غلام للرائد، أنه في مثل هذه الحالات يستغني الإعلام عن برامجه الاعتيادية، ويتفرع لتغطية الحدث وخلفياته، والأضرار الناجمة عن الاشتباكات، ونقل معاناة المواطن، فالعواجل وحدها لا تكفي.
وتبقى إعادة النظر في بنية المرفق الإعلامي الليبي ووظيفته وخطابه، ضرورة ملحة، بل وحتمية، من أجل أن يتجاوز الوطن مشكلات لا يُعلم منتهاها.