إعلان القطراني والمجبري انسحاب إقليم برقة من اتفاق الصخيرات يعتبر فصلاً جديداً من الكوميديا السوداء في مسلسل تراجيديا آلام الوطن، وهو محاولة أخرى لتجاوز الاتفاق السياسي بعد الضربة القوية التي تلقاها معسكر الكرامة من المجتمع الدولي الذي فرض على قيادته إعادة سيطرة المؤسسة الوطنية للنفط على موانئ الهلال النفطي واستئناف التصدير منها.
يعلم الجميع أن الاتفاق السياسي في الصخيرات لم يكن بين الأقاليم الثلاثة التاريخية لليبيا، وأن القطراني والمجبري لم يكونا يوما ممثلين لتيار برقة الفدرالي، فالأول كان ممثلاً لمعسكر الكرامة، ومثّل في المجلس الرئاسي الذي لم يعمل من خلاله دور الفيروس الذي يسعى جاهداً للقضاء على الجسم المستضيف، وأما المجبري فهو معروف بتقلبات مواقفه وتغيرها، فالرجل من داعمٍ ومساندٍ لجضران إلى مؤيد وخادم لقائد عملية الكرامة خليفة حفتر، مع ما يتخلل ذلك من شبه فساد وسوء استخدام للسلطة، إذاً فالرجلان ليسا أساساً من أنصار الحراك الفدرالي، فلماذا اللجوء الآن لهذه الدعاية السياسية؟
حالة الإفلاس السياسي التي يعانيها معسكر الكرامة بعد أن أصبحت دعاية محاربة الإرهاب غير مجدية، ولم تثمر ثمارها المرجوة من كسب تأييد المجتمع الدولي ـ هذه الحالة من الإفلاس هي ما يجعل أمثال القطراني والمجبري يلجآن إلى هذا النوع من الشغب السياسي، محاولين بذلك تقليص الدعم وإضعاف التأييد الدولي الذي تحظى به حكومة الوفاق ومجلس رئاستها، وهذا الأمر الأخير رغم ضعف أداء حكومة الوفاق وهشاشة المجلس الرئاسي، مستبعدٌ؛ لأن المجتمع الدولي يدرك جيداً خطورة إحداث فراغ سياسي للسلطة في طرابلس وما سينتج عن ذلك من فوضى ربما لا يمكن السيطرة عليها.
إلا أن خطورة هذا الشغب السياسي الذي يمارس في الشرق الليبي باسم حقوق إقليم برقة تتمثل في كونه يأتي في وقت بدأت فيه الأطماع المصرية بالتكشف والظهور علانية، وآخرها الأصوات المطالبة بضم واحة الجغبوب إلى مصر والتي بدأ الحديث عنها منذ 2013، إلا أنه زاد مؤخراً خاصة وأن التوجه الدولي الحالي لحل الأزمة الليبي لا يوافق الهوى المصري، وعليه فإنّ دعوات الانقسام والانفصال لن تكون في صالح البلاد، بل تمثل تهديداً صريحاً للأمن القومي من مصر أكبر داعمي معسكر الكرامة والتي تعاني اقتصادياً وأمنياً وتحتاج متنفساً لأزماتها.
هناك أمر آخر قد يحدث نتيجة هذا الشغب السياسي، فإن دعوة كل من القطراني والمجبري نواب برقة للاجتماع والنظر في آلية لضمان حقوق الإقليم المهمش، ستمثل مخرجاً لمجلس النواب لعدم إقرار قانون الاستفتاء على الدستور والذي من المقرر أن يتم في نهاية يوليو الجاري.
ولا يمكن إغفال حقيقة أن هذه المشاغبة السياسية تحدث في سياق التنافس المحموم بين باريس وروما على تولي قيادة الحل الدولي للملف الليبي، وهو ما يمثل فرصة جيدة لحفتر بأن يستخدم نفوذه لإعادة الهدوء والتوازن للشرق الليبي متى شاء، ولعل زيارة وزير الخارجية الفرنسي الأخيرة إلى ليبيا وجلوسه مع مختلف الأطراف، والتأكيد على ضرورة الالتزام بمخرجات إعلان باريس، هي محاولة ضغط على روما التي تعتزم عقد اجتماع دولي حول ليبيا، وسعي لأن يكون الموقف الفرنسي أقوى بعد الارتباك والتراجع الذي أصابه بتدخل أمريكا في أزمة الهلال النفطي.
باريس تدرك جيداً أنه حتى وإن تم إقرار قانون الاستفتاء على الدستور فإن الانتخابات في ديسمبر من الصعب إجراؤها في هذه الظروف المتوترة وغير المستقرة، خاصة مع استمرار تعنت أطراف الصراع في الشرق الليبي، لذلك فإن أغلب ما تأمله فرنسا من نشاطها الحالي في الملف الليبي هو اتخاذ إعلان باريس بعين الاعتبار وتعديله بما يضمن إشراكها واحترام مصالحها.
من جانب آخر، يبدو أن إيطاليا مصرّة على إنهاء الأزمة الليبية بسبب معاناتها الشديدة من ملف الهجرة، وموقف رئيس المجلس الرئاسي الرافض لفتح مراكز استقبال للاجئين في ليبيا سيشكل عامل ضغط على الاتحاد الأوروبي بشكل عام لبلورة رؤية وخطة عمل يمكن أن تحدث استقراراً يمكّن العملية السياسية من التقدم.
المصدر: ليبيا الخبر