كشفت مصادر دبلوماسية مصرية عن أزمة مكتومة بين القاهرة والمبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، بسبب ما وصفته المصادر بـ”التباين في تقديرات الموقف على الأرض وسبل الخروج من الأزمة”.
وأشارت المصادر المصرية، إلى أن “سلامة رفع أخيراً تقريراً لمجلس الأمن الدولي عن الأوضاع في ليبيا وما تم التوصل إليه على طريق حل الأزمة الليبية، حمل عبارات سلبية بشأن الموقف المصري من الأحداث وتواصلها مع أطراف الأزمة”.
ولفتت المصادر إلى أنه في آخر لقاء بين سلامة ووزير الخارجية المصري، سامح شكري، في 28 إبريل/نيسان الماضي، بدا خلاله الأمر واضحاً، وأن هناك تبايناً كبيراً في تصورات حل الأزمة، كاشفة أن “سلامة يتبنّى رؤية تقوم على دمج بعض المجموعات المسلحة، عبر آليات واضحة يكون خطها الأساسي إعلاء قيمة الدولة، في حين ترفض مصر تلك الرؤية، إذ تتخذ موقفاً متشدداً من منْح تلك المجموعات أي فرصة للمشاركة في العملية السياسية”.
ولفتت المصادر إلى أن التقرير الذي رفعه سلامة إلى مجلس الأمن، الاثنين الماضي، تضمن اتهامات لمصر وصلت حد تعطيل الخطوات الدولية، عبر دعم إحدى المجموعات المتنازعة لمنع إتاحة أي دور لأي كتائب مسلحة أخرى.
وتضمن تقرير سلامة، بحسب المصادر، توصيات بضرورة “فرض عقوبات دولية على أي محاولة لعرقلة العملية الانتخابية، والالتزام بدعم محادثات توحيد المؤسسة العسكرية في القاهرة، والتأكيد على خضوع الجيش الليبي للسلطة المدنية المنتخبة، واحترام نتائج الانتخابات المزمع إقامتها في ليبيا، مع ضرورة إجرائها قبل نهاية 2018”.
في المقابل، قالت المصادر إن القاهرة تتواصل بشكل مستمر مع المعنيّين بالملف الليبي، وفي مقدمتهم المعنيون المباشرون، المتمثلون في آلية ثلاثي الجوار الليبي، والذين يجتمعون بشكل دوري، لتطلعهم على وجهة النظر المصرية، وتوضيح خطورة رؤى المبعوث الأممي وما تحمله من إتاحة مساحات في المشهد الليبي لعناصر متطرفة.
ولفتت المصادر إلى أن مصر بحثت خلال الفترة الماضية مع كل من إيطاليا وفرنسا، بصفتهما معنيتين بملف ليبيا، مستقبل الأزمة الليبية، وضرورة دعم “الجيش الليبي” باعتباره الجهة الوحيدة الرسمية التي يحق لها حمل السلاح الشرعي، في إشارة إلى القوات التابعة لمجلس النواب المنعقد في طبرق، بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وأوضحت المصادر أن جوهر الخلاف بين المبعوث الأممي والتصور المصري، هو رغبة القاهرة في أن يكون الجيش الليبي (قوات حفتر) هو الجهة المتصدرة للمشهد، وهو ما يرفضه سلامة الذي يرى عكس ذلك، بضرورة أن يكون الممثل الشرعي والرسمي لليبيا هو حكومة سياسية، وأن يكون الجيش تحت تصرف حكومة سياسية منتخبة.
وكان سلامة قد أخطر مجلس الأمن الدولي، الإثنين الماضي، بأن المشاورات حول طرح صيغة لاستراتيجية التعامل مع الجماعات المسلحة في ليبيا وصلت إلى مراحلها النهائية.
وذكر المبعوث الأممي، في إحاطته أمام المجلس، أن الاستراتيجية الجديدة لن تستطيع وضع حد لأنشطة الجماعات المسلحة في اليوم التالي، لكنها سوف تساعد في إطلاق العملية الطويلة بشكل جاد.
وأشار سلامة إلى أن الجماعات المسلحة دخلت في مشاورات مع الحكومة مباشرة بخصوص الاستراتيجية الجديدة. وقال “نحن الآن في المرحلة النهائية من المشاورات مع السلطات الليبية لوضع اللمسات الأخيرة على تلك الاستراتيجية، وتشكيل خطة عمل بغرض تنفيذها”.
وحذر الدبلوماسي من وجود أقليّة في البلاد تسعى إلى الحفاظ على الوضع الحالي خدمة لمصالحها الشخصية، مشدداً على أنه لا يمكن كبْح طموح ملايين الليبيين من أجل هؤلاء.
وأعلن أن الوقت حان لطيّ صفحة تعديلات الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات المغربية في ديسمبر/كانون الأول 2015، مضيفاً أنه سبق أن أبلغ مجلس الأمن، في مارس/آذار الماضي، بمنح فرصة أخيرة لتمرير التعديلات على وثيقة الاتفاق التي “لم يتم تمريرها”.
واعتبر سلامة أن أهمية تعديل الاتفاق السياسي بسرعة قد تتقلص، مع التركيز على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد حتى نهاية العام الحالي، مشيراً إلى ضرورة إجراء الانتخابات بأسرع وقت ممكن مع تهيئة الظروف الملائمة لها، بما في ذلك جولة جديدة من تسجيل الناخبين، والالتزام المسبق بقبول النتائج وتأمين التمويل اللازم، فضلاً عن الحاجة إلى ترتيبات أمنية.
وطلب سلامة من مجلس النواب، الذي يتخذ من طبرق مقراً له، الوفاء بوعده بإصدار كافة التشريعات المطلوبة لإجراء العملية الانتخابية بالتعاون مع المجلس الأعلى للدولة في طرابلس. يأتي هذا، في وقت من المقرر أن تستضيف فيه العاصمة الفرنسية باريس في 29 مايو/أيار الحالي، اجتماعاً يضم الأطراف الفاعلة في الأزمة الليبية في محاولة للوصول إلى حل سياسي للأزمة، بمشاركة رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، وقائد القوات التابعة إلى مجلس النواب المنعقد في طبرق، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، والمبعوث الأممي غسان سلامة.
المصدر : العربي الجديد