عرف دارنس الأنيق كما يحب أن يسميه جمهوره بتقليد أو تكتيك كروي يعرف ( مصيدة التسلل) ينصبها كلما شن عليه هجوم كاسح من أحد الأطراف اليمين أو الشمال، مما كان يثير حماسة الجمهور الدارنسي مع كل نجاح للخطة. بينما ينصب الأنيق مصيدة التسلل لهجوم الفريق المنافس يعبر عن عقلية درناوية في استخدام وسائل الدفاع السلبية لإحباط مخططات الخصوم، اليوم تجد المدينة بأسرها مضطرة لنصب مصيدة تسلل لبارونات الحرب، سواء من عناصر تنظيم قوة حماية درنة التى يسعى مجلس شورى درنة من خلاله إلى توريط المدينة في حرب مدمرة لا تبقى ولا تذر، من جهة ومن جهة أخرى قوات بارون الحرب الذى يحاصر المدينة منذ سنوات.
مصيدة التسلل وتفويت الفرصة
ليس أمام مدينة درنة من وسيلة للدفاع عن نفسها، وحماية أهلها وأحيائها سوى أن تتخذ ترتيبات مشابهة من حيث الذهنية الدرناوية لتلك التي كان الأنيق يفعلها كلما أحاطت به الهجمات، وأن تبطل بذلك قدرة البارونات على إشعال الحرب في باب طبرق وشيحا والمغار وبو منصور والجبيلة والبياصة الحمرة والسرواحي والساحل والكورنيش وشارع البحر والفنار والحبس ووادي الشواعر والشلال وذيل الوادي والكوى وسباق، كل هذه النواحي ستكون مسرحا لحرب بين أطراف آخر شيء تفكر فيه ” درنة”، ولا يفكر في هم درنة وأمنها وسلامة أهلها منهم أحد.
مجلس الشورى وسياسة التوريط
يتكون مجلس الشوري من بقايا كتيبة بوسليم، وبعض عناصر من أنصار الشريعة، وأجانب منهم المدعو ” عمر رفاعي سرور” ابن رفاعي سرور أحد رموز السلفية القتالية ومنظر للتيار الجهادي إبان مرحلة اغتيال الرئيس الراحل السادات، عن طريق مجموعة الرائد بالمخابرات المصرية عبود الزمر، وصحاب كتب: عندما ترعى الذئاب الغنم، وقدر الدعوة، والتصور السياسي للحركة الإسلامية، وأصحاب الأخدود. وكلها يسيطر عليها فكر المحنة والتوحش والتوجس والشك في إيمان وإسلام المجتمع من حوله والتوقف في الحكم له بالإسلام حتى يتبين كما يقولون” التبين والتوقف”، وهو نفس الأمر الذى يسيطر على نفسيات منظري تيار السلفية القتالية ليس فقط في إصدارها الأول “خطوط عريضة في منهج الجماعة الإسلامية المقاتلة” لأبي المنذر، بل حتى في المراجعات نفسها التي قامت بها الجماعة، حيث لا تزال لوثة الريب والشك تهيمن على قياداتها الفكرية ومن شاركوا في كتابتها، وموقفها من الحكم على المجتمعات. واليوم وبعد أن كثر الكلام على لافتتهم القديمة ” مجلس شورى درنة”، الذي أطلق سراح آلاف من عناصر تنظيم داعش الذين قبض عليهم إبان فترة طرد التنظيم من المدينة، ولا أحد يعرف أين هم الآن؟.
وعمد التنظيم تحت مسمى قوة حماية درنة لتحريض الشباب الدرناوي على الحرب بحجة مقاومة الطواغيت، واستدرجهم نحو فخ جديد من أجل الزج بهم في أتون معركة هي بالضرورة ليست معركة درنة على الإطلاق، إنما معركة الحمق والغلو في الفكر والتطرف في السلوك الذى يهيمن على عناصر هذه المجموعة، وبذلك يظنون أنه بإمكانهم توريط المدينة في حربهم ضد المحيط، على أمل أن يطول أمد الحرب ولا تتخلص منهم المدينة إلا على شبح الأنقاض وقد قتلوا جميعا بعد أن يقتل معهم خيرة شباب المدينة المتحمسين تحت وطأة الحملة الدعائية التي يسوقونها.
درنة وخيار النصر السلبي
دعونا عندما نتحدث عن النصر والهزيمة وتناولهما من باب الخسارة والكسب، فالنصر في أبسط معانيه يعني القوة الخشنة في حسم المعركة العسكرية لصالحها وكسر إرادة الخصم، أما النصر بالنسبة للقوة الناعمة وهي هنا ” مدينة درنة” فهو تقليل الخسائر في الأرواح والممتلكات والمقدرات، وذلك بإحباط فخ الحرب، وإن ذلك غير ممكن اليوم وفق الدروس المستلة مما حدث في بنغازي وكي لا يتكرر نفس المشهد، إلا (( بإعلان المدينة الاستسلام الكامل لقوات حفتر))، وحتى وإن كان ثمن ذلك باهظا كما يتصوره البعض، إلا أنه وعلى كل الأحوال وبحكم الضرورة الواقعية والسياسية وبالتالي بمقتضيات موازنات الأحكام الشرعية، أقل بكثير من كلفة خوض غمار حرب في تلك النواحي التي ذكرت آنفا، حيث سينتج عن الحرب عوضا عن إزهاق أرواح المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، فهي بالضرورة ولكونها لا تحدث في أرض فراغ ستؤدي إلى خراب العمران، وفساد المدينة وفقدان قدرتها على إيواء أهلها لعقدين ونيف من الزمان، وسنرى جموعا من الدراونة تهجر قسرا بحثا عن الأمان في القرى والمدن المجاورة، ممن سيسعفهم الحرب ويحصلوا على فرصة هروب محفوفة بأعلى مستويات المخاطرة بالأرواح وسط دخان وغاز القنابل والقذائف والصواريخ، وستهدم كل البنى التحتية المهترئة أصلا في المدينة، سواء قنوات صرف صحي أو توزيع مياة شرب، أو طرق وانهيارات في منحدرات الفتايح وشيحا وقطع الاتصالات، أو مستشفيات أو مدارس أو مباني حكومية، مما سيجعل كلفة إعادة إعمارها باهظة جدا بله إمكانية أولوية إدراج ذلك خلال ميزانيات السنوات الثلاثين القادمة حتى عام 2050 على أقل تقدير، إذا ما لم نهمل وجود كوارث أخرى سابقة في بنغازي وسرت وككلة وتاورغاء وغيرها من المدن في الجنوب.
من هنا يتجلى أمام عقلاء المدينة وأهلها أن خيار الاستسلام ورفض الحرب هو الخيار الأنسب للمحافظة على الأرواح والممتلكات، بعيدا عن الخطاب الغوغائي الذي يسوقه من يظن أن دمار درنة سيكون آخر أيام الدنيا وبداية الآخرة.
المجتمع الدولي والجرائم ضد الإنسانية
مسؤولية حفتر كقائد عسكر أمام القانون الدولي حتى لو كان يحتل دولة أخرى واضحة، وستتم ملاحقته وملاحقة العناصر المشاركة معه، من العسكريين والمدنيين ممن شاركوا في كل العمليات سواء بالتحريض أو القتال أمام أدوات الأسرة الدولية لردع من تسول له نفسه ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وستكون قاعدة ” عدم الإفلات من العقوبة” هي الأساس القانوني الذي سيلاحقه هو ومن معه، والتجارب في رواند والبلقان خير شاهد وبرهان ودليل.
المصدر : موقع ليبيا الخبر