يرى المبعوث الأمريكي السابق إلى ليبيا “جوناثان واينر” والباحث في معهد الشرق الأوسط، أن القضية بالنسبة لليبيا لا تتمثل في جواب سؤال: هل سيعود قائد قوات الكرامة خليفة حفتر البالغ من العمر 75 عاما إلى حالته الصحية العادية بعد الأزمة الطبية التي أدت إلى دخوله المستشفى في باريس؟، بل في إيجاد طرق لبناء حكومة شاملة، وتوحيد الجيش والقوات الأمنية في كامل ليبيا تحت قيادة قادة مدنيين منتخبين بغض النظر عما سيحدث لحفتر مستقبلا.
ويقول جوناثان في مقال له في موقع معهد الشرق الأوسط، إنه بعد 42 سنة لم يتمتع فيها الليبيون بحريات سياسية ذات مغزى تحت حكم معمر القذافي، ليس من قبيل المصادفة أن البلاد لا تزال مجزّأة، وأن حفتر لم يكن قادرًا على جمع البلاد في ظل حكمه الشخصي.
أمنيات بالسيطرة على البلاد وتصفية الخصوم
ويضيف جوناثان أنه عندما كان يعمل مبعوثًا خاصًّا للولايات المتحدة إلى ليبيا، التقى بحفتر في الأردن والإمارات العربية المتحدة؛ لعقد جلسات مطولة في النصف الثاني من عام 2016، حيث أوضح له حفتر أنه يرى أن السياسيين الليبيين عديمي القيمة، وأن السبيل الوحيد لإرساء الاستقرار في ليبيا هو استيلاؤه على أكبر رقعة ممكنة من البلاد حتى يقبل الباقي سلطته، ثم يقوم بعد ذلك بحل المجلس التشريعي والحكومة، وتعيين حكام عسكريين في المدن للتعامل مع ملفات التعليم والرعاية الصحية، والحكم بمرسوم حتى تكون البلاد جاهزة للديمقراطية يومًا ما، بعد ذلك، فإنه سيكون سعيدًا بأن يتقاعد في ثكناته.
ولتأمين البلاد، رأى حفتر أنه يجب أن يكون الإخوان المسلمون والإسلاميون ومن وصفهم بالمتطرفين والإرهابيين الذين أطلق عليهم لقب “ذوي اللحى” مع إشارته بيده إلى ذقنه ـ في المنفى أو في السجن أو “في المقابر”، مضيفا بعد ذلك، للتأكيد، أنه من بين الخيارات الثلاثة، ستكون المقابر هي الأفضل، حسب تعبيره.
إصرار على رفض أي حلول سلمية
ويوضح جوناثان أنهم أخبروا حفتر أن الولايات المتحدة متحدة مع ليبيا ضد الإرهاب، لكنها ستعارض جهود أي شخص يسعى للسيطرة على ليبيا بالقوة، بمن في ذلك حفتر نفسه، مؤكدا حثهم له على قبول حل وسط يقضي بانضمامه إلى مجلس عسكري لإدماج القوات العسكرية الليبية، والتحقق من الجنود الإضافيين من “الميليشيات”، وبالتالي تحقيق وحدة واستقرار البلاد على المدى الطويل.
وأضاف جوناثان “قلنا له إنه مثل غيره من القادة الليبيين يجب أن يترشح للانتخابات، في حال أراد السلطة وفقا لرغبة الشعب الليبي”، وتابع “حثثناه على قبول سلطة رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج على أساس مؤقت، ومساعدة البلاد على استكمال عملية تبني دستور، وتحديد موعد الانتخابات”.
وحاء رد حفتر على جوناثان بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، بأنه عازم على الاستيلاء على البلد بأكمله دون مساعدة أي شخص آخر بحلول نهاية عام 2016.
أحلام وأمنيات واهية
وفي ظل طموحات حفتر بالسيطرة على كامل التراب الليبي بقوة السلاح يرى المبعوث الأميركي جوناثان، أن قوات حفتر وقيادته في شرق ليبيا “انكسرت” وبدا عليها الانقسام، مشيرا إلى أنه مع حفتر أو بدونه، لا توجد مجموعة واحدة أو تحالف في ليبيا قوي بما يكفي لحكم البلاد وتأمينها، وأي مجموعة تحاول القيام بذلك ستدعو إلى توسيع رقعة القتال الذي من شأنه أن يزعزع استقرار البلاد، ويفتح الباب مرة أخرى أمام تنظيم الدولة والإرهاب، حسب تعبيره .
ويقول جوناثان، إن قوات حفتر استغرقت سنتين ونصف لتسيطر على بنغازي وتخرج “الميليشيات المتطرفة” منها، مع مساعدة عسكرية أجنبية، فيما لم تنجح جهوده في السيطرة على مدينة درنة وطرد ” مجلس شورى مجاهدي درنة” الذي سيطر على المدينة بعد طرده لتنظيم الدولة عام 2015.
وأضاف جوناثان، أن قوات حفتر انتقلت، في وقت سابق من هذا العام، نحو مدينة سبها جنوب البلاد، من دون تحقيق نتائج حاسمة.
بارقة أمل بعيدا عن حفتر
ويعُدّ جوناثان لقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وحديثهما بجدية عن الإصلاحات المحتملة لاتفاقية الصخيرات، وتعزيز الأمن، والمسائل الاقتصادية ـ فرصةً لليبيا للمضي قدما في تقديم تنازلات من أجل التقدم نحو حكم مستمر وأكثر استقرارا.
ويضيف جوناثان أنه على النقيض من سعي حفتر للسيطرة على كامل ليبيا بالقوة، تستمر التسوية التفاوضية لخارطة الطريق التي حددها الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة، في إتاحة الفرصة لليبيين لتعديل الاتفاق السياسي الليبي على المدى القصير، واعتماد دستور، ومن ثم عقد انتخابات وطنية ومحلية، إضافة إلى المحادثات التي تعقد بين شخصيات عسكرية من مختلف أنحاء البلاد.
مستقبل مبشر
وفي المقابل، يرى جوناثان أن الوضع الاقتصادي في ليبيا في تحسن مستمر، مع وصول الإنتاج إلى نحو مليون برميل من النفط يوميًّا، وارتفاع سعر البرميل إلى أكثر من 70 دولارًا، مضيفًا أنه في حالة بقاء الأسعار على ما هي عليه فسيبلغ العائد النفطي نحو 25 مليار دولار سنوياً، مشيرا إلى أن الاتفاقات السياسية الشاملة ستمهد الطريق لمزيد من التقدم الاقتصادي والأمني، مما يمكّن من بناء المؤسسات الوطنية الشاملة لمشاركة الإيرادات، وتقديم الخدمات على المستوى المحلي.
ويعرب جونثان في نهاية مقاله، عن أمله أن يكون وضع حفتر بمثابة تذكير للسياسيين الليبيين بأن الوقت لا ينتظر فردًا، ناهيك عن دولة.”
المصدر : الموقع الرسمي لمعهد الشرق الأوسط