لنتحدث بلغةٍ واقعية بعيدًا عن المثالية والافتراضات وما يجب أن يكون
فبعد تصريحات السيد صوان رئيس حزب العدالة والبناء وعضو جماعة الإخوان المسلمين، والتي بدا فيها الرجل متغنّشًا ( نسبةً للمدرسة الغنوشية وزعيمها راشد الغنوشي) حيث ألقى إلى الشارع الليبي حزمةً من المفاجآت التي حملت تعديلًا واضحًا في الخطاب، وإعادة لصياغة المواقف، مما ألب عليه شريحةً كبرى من مؤيديه بل وممن انشقوا عن الحزب، غير أنه استطاع أن يجذب إليه شريحةً أخرى ممن كانوا يضعونه وجماعته وحزبه في الخانة السوداء، وهم ربما الشركاء المعطلون للاتفاق السياسي.
التصريحات التي أدلى بها صوان لها قراءات كثيرة من حيث التوقيت والسياق والفحوى، ولستُ في معرض تحليل كل المشهد الآن.
لكن لنقل في المجمل بأن الجناح السياسي للإخوان المتمثل في حزبه العدالة والبناء، لم يعُد يرضى بالتزام الفرجة، ولا بأن يمارس أدوارًا هامشية من خلال منصب نائب الرئيس، في الجسم الوحيد الذي يمكن له أن يصنع شراكةً ما مع الطرف الآخر المتمثل في البرلمان من خلاله، بل وحتى مشير الكرامة إن شئت أن تقول ذلك، من خلال تصريحات صوان ذاتها.
وبالتالي قرر الحزب أن يكون هو اللاعب الرئيسي من خلال توليه رئاسة المجلس الأعلى للدولة، والتي ليست هي الغاية في ذاتها، بل حزمة السياسات الجديدة التي يعد لها الحزب، والتي سينتهج فيها تبني وضع الحلول ومحاولة عقد الصفقات والشراكات الحقيقية التي من شأنها أن تجعلنا نرى مواقف أكثر انفتاحًا وتقاربًا مع الأطراف الأخرى، وعلى رأسها البرلمان، حيث يُنتظر في تصوري إعادة فتح الحوار مع البرلمان في شأن محاولة تعديل وتفعيل الاتفاق السياسي، وإيجاد مناخ جديد يتسم بالمرونة والذكاء، وربما إعادة تدوير اللعبة وأوراقها.
شخصيًّا وبعيدًا عن أيدلوجية الإخوان وحزبهم، وباعتبار أن صوان والمشري كلاهما عضوٌ في الجماعة، وكلاهما يقف على رأس مؤسسة تلعب دورًا هامًّا في المشهد السياسي الليبي، فإنني لستُ متشائمًا من الدور الذي من شأن الحزب والجماعة أن يلعباه بعد الحال المتردي لليبيين وللوطن، ولعل كل خطابات الحزب كانت مع الاتفاق السياسي ثم قدمت مرونة في المواقف بشكل واضح مما غير من نظرة الكثير من المناهضين للحزب، وأما موقف المنشقين عنه أو المعسكر السابق جملةً فهو حقيقةً فقد التأثير السياسي مؤخرًا، وبالتالي فإن قيادات الحزب والجماعة قررت أن تلعب في المشهد السياسي القادم، ولن يكون لها ذلك إلا وهي في موقع القيادة لجسم سياسي له فاعليته وتأثيره، وهذا الجسم لن يكون متاحاً إلا من خلال المجلس الأعلى للدولة الذي تمثل فيه كتلة العدالة والبناء وزنًا لابأس به، وباالتالي فدور الكومبارس انتهى والقيادة بدأ.
كما أن حلفائها من المستقلين والكتل الأخرى سيصطفون لجانبها حين تتقارب المصالح، ويبدو أن إيصال المشري لم يكن غايةً للحلفاء بقدر ما كانت إزاحة السويحلي هي الهدف، وتلك هي لعبة الديمقراطية وعلينا التسليم بها.
ما أتوقعه مرونة سياسية ومحاولة لتحريك الماء الراكد من خلال التقارب مع البرلمان، وتبقى الخشية من أن يقدم الحزب تنازلات قد تؤدي إلى التفريط في مدنية الدولة، وتمكن حفتر من الوصول لسدة الرئاسة ـ لا قدر الله! ـ في ثوب مدني، مما سيؤدي إلى الانقضاض على السلطة في النهاية بالبلدة العسكرية، وهو ما سيدفع فاتورته الجماعة والحزب قبل غيرهم.
هي مجرد استشرافيات لا يمكن التكهن بحقيقة رؤيتها واقعًا معاشًا في الغد، لكنها سيناريوهات تتكشف من خلال المتاح من المؤشرات المتوفرة، التي كشف عنها خطاب صوان الأخير، والتمكن من تنظيم الأوراق واتخاذ قرار القيادة لمؤسسة المجلس الأعلى للدولة.
ولعلنا سنرى تكتلات معارضة لعدالة والبناء، ربما بقيادة الدكتور السويحلي الذي لن يلقي المنديل بالطبع، بل سيكوّن كتلته ليكون لاعبًا في كل ما من شأن العدالة والبناء أن يمرره من خلال المجلس الأعلى للدولة.
ما نتمناه في المجمل أن يرفع الله عن الشعب غمته، ويشفي الله الساسة من صراعاتهم المقيتة حول الكراسي، فلقد كفانا موتا وفقرا وقهرا، وأن يتفرغوا للوطن والشعب الذي لم يعد يطيق الحماقات.
ولله الأمر.