فاضل المسعودى الرجل الذي قضى عمره معارضاً للسلطات المزيفة والتصرفات الهزيلة، لم يتنازل عن ثوابته في المطالبة بالحرية والعدالة والوحدة الوطنية، والذود عن حياض الأمة الليبية، كان غصة في حلق القومجيين والمتأسلمين وذيول الخارج والمتاجرين بالوطن، لم يعبأ يوما بعطاياهم وهباتهم ولا بتهديداتهم وحبك مكائدهم. فاضل المسعودي توفي يوم السبت الماضي 3 فبراير وسيبقى مثلا للتيار الوطني الحر، ونبراسا للنضال الوطني ضد القوى الغاشمة والتدخل الإقليمي والدولي.
فاضل المسعودي هو أحد أبناء جيل نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات حينما أرسله والده القاضي أحمد المسعودي إلى كلية الحقوق في القاهرة التي وصلها رفقة صديقه محمد الطشانى رحمه الله، يقول المسعودي: “عندما توجهت للقاهرة، وأنا لم أتجاوز السابعة عشر من عمري، كانت أول محاضرة، حضرتها في نهاية سنة 1949 ، في قاعة (يورث التذكارية) بالجامعة الأمريكية … كانت محاضرة للأمير الريفي المغربي “الأمازيغي” عبد الكريم الخطابي وموضوعها: “أسس الوحدة والتقارب بين شعوب الأمة العربية” ألقاها الأمير عبد الكريم باللغة العربية الجيدة، وشارك في الاٍشراف على المحاضرة (مكتب المغرب العربي) في القاهرة، الذي كان يضم ممثلي أحزاب المغرب والجزائر وتونس وليبيا، والتي كانت تقود معارك النضال من أجل التحرر الوطني والاستقلال.
في بداية الخمسينيات كانت تجري مراسم إعلان دولة الاستقلال، المملكة الليبية المتحدة، مولد دولة جديدة، فقيرة قليلة الموارد، ليس أمامها سوى قبولها بعرض التمويل بإقامة قواعد عسكرية للدول المنتصرة في الحرب مقابل إيجار سنوي، الذي قوبل برفض شديد وعنيف من الشباب، وكان فاضل المسعودى واحداً منهم، وعبر صوت العرب انطلق صوته صحبة رفيقه محمد الطشانى منددًا بالاتفاقية الليبية البريطانية، كان الهجوم قاسيا وعنيفا، للملك إدريس وحكومته عبر الإذاعة والمنشورات التي يتم توزيعها على أبناء الجالية الليبية فى القاهرة.
ترك المسعودى والطشانى مدرجات كلية الحقوق واندمجا فى العمل الوطنى، أصدرا مجلة المعركة وصدر الغلاف يحمل رسما كريكاتوريا لمائدة المفاوضات يجلس عليها الجانبان الليبى والبريطاني تتوسطهما وليمة كبيرة وعلى الجانب الآخر الشعب الليبى معترضا قائلا “اللهم إنى صائم”، وبذلك أصبحوا مطلوبين من قبل السلطات الليبية، فى الوقت نفسه اختلفا مع صوت العرب رافضين التعليمات الأمنية التى تتعارض مع قناعاتهم الوطنية.
بمبادرة مصالحة من السيد سيف النصر عند الملك، تم العفو عن فاضل المسعودي وزميله الطشاني وعودتهما إلى ليبيا، ولكن بعد سنة من عودته إلى ليبيا من القاهرة، سنة 1956م، حوكم بتهمة الحطّ من شأن الأمة العربية المجيدة والتشكيك في نقاوة وشرف مقاصد (الفتح العربي) لشمال اٍفريقيا؛ لأنه تحدث في جمع من عمال المطبعة الحكومية عن التاريخ، وقضت المحكمة بسجنه لمدة سنة مع الشغل.
رحلة صحفية طويلة تنقل فيها فاضل المسعودي عبر كثير من الجرائد كان أولها محاولة إصدار جريدة فزان التي غادرها في مهدها، ثم الكتابة في صحيفتي الرائد والليبي، مجددا ومطورا ومثيرا لكثير من القضايا، وفى بداية الستينيات منحت الفرصة على الموافقة على إصدار صحف جديدة حصل بموجبها الطشانى على إصدار صحيفة الحرية، ومحمد الهوني على الحقيقة وغيرهم، ورفض طلب فاضل المسعودى، كعادته لم يستسلم ورفع قضية أمام المحكمة العليا وأصدر جريدته الميدان بحكم المحكمة.
في نوفمبر 1969، بعد شهرين من وقوع انقلاب سبتمبر العسكري، بادر العقيد معمر القذافي باٍصدار أمره الثوري باٍغلاق جريدة (الميدان) ثم مصادرة ممتلكات فاضل المسعودي واٍجباره على الخروج من ليبيا بسبب رفضه لشعار الانقلاب “الوحدة العربية الاندماجية”، ودعوته للتركيز على ليبيا أولا، وأن الوحدة التي تمتلك كل شروط تحققها الواقعي هي وحدة المغرب الكبير. وبذلك أصبح مطاردا ومطلوبا من اللجان الثورية ولجان التصفية بالخارج، وقد نجا من عدة محاولات لاغتياله.
شارك فاضل المسعودي في معظم الفعاليات الوطنية الليبية المعارضة في الخارج، وكان صوتا يصدح بالوطنية، والدفاع عن الأمة الليبية، يقول الأستاذ فاضل في مقال بعنوان “هذا هو ثمن الغفلة وانعدام الوعي” في أبريل 2012 :الأول من سبتمبر سنة 1969، استيقظ الشعب الليبي على نعيق يعلن من إذاعة بنغازي ، يذيع بيانا هستيريا متشنّجا، يعلن سقوط المملكة الليبية ويلغي الدستور ويمزق العلم والنشيد الوطني، ويطيح بكل ما يقوم عليه الدستور من برلمان: مجلس الشيوخ ومجلس النواب ومحكمة عليا وقضاء مستقل…. والخلاصة : كانت هناك دولة حديثة في ليبيا، آمنة ينظمها دستور عصري ويسودها القانون وتتحقق فيها العدالة والرخاء ولم يكن يتوفر فيها ” مبرر واحد ” للإطاحة بهذه الدولة أو زوالها عدا “حملات ” التهجم والتشكيك والأكاذيب الإذاعية الملفقة الداعرة التي كانت تشكك في مواقفها السياسية العاقلة والحكيمة والمتزنة والنزيهة بالنسبة للعلاقات مع الحكومات العربية الحمقاء المتخبطة والتي أدت سنة 1965 باحتلال إسرائيل للبقية الباقية من فلسطين وضياع القدس والجولان وثلث أرض الكنانة .. أي جزيرة سيناء بكاملها !. …. لم تتساءل هذه الجماهير التى خرجت ترحب بالانقلاب الغامض المشبوه الذي وقع يوم الأول من سبتمبر ولم تهتم بهوية ” المجهولين ” الذين بدأت تسمع عن أسمائهم وقد كشفت عن غموض أصولهم ووضاعة منشئهم وحقارة منبتهم، وأظلها التأييد المطلق الذي قدمه جمال عبد الناصر لعملية الانقلاب . ثم يصف حال ليبيا بعد 42 سنة من الجبروت: إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه الآن! ركام من الجهل والانحطاط والشرور والفوضى والنواقص والعاهات التي تجعل من ليبيا تعيش خارج العصر وبعيدا عن كل ما يمت للإنسان والإنسانية والعصر بصلة”.
في مقال آخر عن إغلاق موقع تاوالت الأمازيغي يقول توالت لن تموت ” اعتراني الحزن ، وداهمني فيض غامر من الكآبة ومشاعر الإحباط ، وأنا اقرأ بعيون زائغة (الإعلان) البائس الذى يشير إلى أن (توالت) تغلق أبوابها !!….. إن (توالت) هذه موقع إليكتروني تعودنا لتسع سنوات مضت التوقف عنده وتصفح ما فيه .. بل كان (منبرا) والمنبر ، لا يمكن أن يتهاوى أو يسقط ويلقى به بعيدا فى الخراب ، ويتوقف الناس على الصعود إليه والتحدث منه بصوت عال إلى الآخرين !… إنها (صفحة مشرقة زاخرة بشتى المعارف وفنون ثقافة الأمازيغ) .. صفحة عرضها ، هو المساحة المترامية لأطراف الوطن الليبي ، وأعماقها تضرب فى جذور كل الليبيين وتنهل من تاريخهم العريق وتراثهم الثقافي الخالد ، ولا يملك أحد ” مهما كان شأنه ” أن يطوي هذه الصفحة أو يتلف أوراقها ! أوراقها غير قابلة للتلف لأنها مصنوعة من نسيج الأمة الليبية ومن أصالتها الضاربة فى العراقة والقدم.
رحم الله فقيد الكلمة عميد الصحافة الليبية الأستاذ فاضل المسعودي.
____
المصدر: موقع عين ليبيا