ما حدث يوم الثلاثاء والأربعاء الماضيين (نطلب لهم الرحمة) لم يكن إلا حلقة عنف مبرمجة في مسلسل لم ينقطع منذ أربعة سنوات، الجديد في الأمر أنه يحدث بعد إعلان تحرير بنغازي من المجموعات المتطرفة، وأن (الجيش العربي الليبي) مسيطر على زمام الأمور وأن الأجهزة الأمنية الخمسة في العهد السابق مفعلة، وأنها لا يصيبها غفوة ولا نوم، ولا يعزب عنها دبيب نمل إذا كان له علاقة بشورى ثوار بنغازي.
هذه الصورة البانورامية كانت حلما يدغدع عواطف المجموعات الجهوية والقبلية (بشيوخها ونوابها) التي تحالفت ودعمت عملية الكرامة منذ أن كانت فكرة تجول في خيال قادتها إلى اصطناع ترتيبات الاغتيالات (كما اعترف بذلك قادتها المنشقون)، إلى خوض المعركة لتهجير آلاف الأهالي ممن لا انتماء قبليا لهم؛ لأسباب عدة منها اقتصادية واجتماعية/ثقافية، وهذا يتقاطع مع طموحات العسكر للوصول إلى هرم السلطة كما حدث في مصر ويخدم سياسات إقليمية مصرية/إماراتية لا يمكن الحياد عنها.
لبلوغ الأهداف السابقة مجتمعة كان تشكيل جيش الكرامة من كل ما هب ودب من سقط المتاع، قوات نظامية من جيش القذافي، أتباع المدخلي التكفيريين، أبناء قبيلة العواقير الذين دفع بهم مشائخهم لحتفهم، أبناء الفرجان الذين هبوا للحمية القبلية ولكبيرهم الذي تربع على عرش برقة ويتربص لحكم ليبيا، إضافة إلى التبو والعدل والمساواة و بعض القبليين من الغرب الليبي، وبذلك استطاعوا إنشاء مجموعات مقاتلة لدك أحياء بكاملها، وإسقاط البيوت على أهلها وترويع أطفالها وقتل المدنيين المتشددين منهم، وتشريد وتهجير المتسامحين ممن لا قبيلة تقوم بحمايتهم.
قيادة (الجيش العربي الليبي) تعلم أن الجيش لا يكون بهكذا فسيفساء مبعثرة، وأن دخول الانتخابات من أجل الوصول للحكم لن يتم بثوب مهلهل، وأن قيادات هذا الجيش (المسخ) لم تثبث جدارتها لا في محاربة الدواعش ولا في تأمين الجنوب ولا في اعتراض المهربين عبر مصر والسودان، ولا في إيقاف توريد الحاويات الفارغة، ولا في كسب ود التشكيلات المسلحة السلفية في الغرب الليبي.
القيادة العسكرية تعلم أن السيسي لم يصل للحكم إلا بمؤسسة عسكرية قوية، وأن انتخابه للمرة الثانية لن يتم إلا بتصفية منافسيه من العسكر، شكري، وسامي عنان وغيرهم، ولذا فإن إعادة هيكلة الجيش تتطلب التخلص من المنافسين وممن لهم معلومات عن خبايا الأمور، ومن أبدى امتعاضا من تسيير المؤسسة العسكرية وتدخلها في الشأن السياسي، ومن يحاول كبح تغول العسكر، ومن له ولاء قبلي أو مذهبي مثل المذاخلة، جميعهم سيطالهم الاغتيالات والتفجير من أجل توحيد العسكر المتشظي، مع الإعلان المستمر بفتح التجنيد، ولقد رأى الجميع زمرة المنشقين الذين كانوا يتنفسون كذبا وبهتانا لإنجاح مشروع الكرامة، قد هربوا من بنغازي وتواروا عن الأنظار، أو برروا لأنفسهم مواقفهم السمجة، حيث لا ينفع التبرير ولا الندم.
لعل التفجيرات والتصفية الجسدية للسجناء الأخيرة والقادمة قد تغير من نظرة المجتمع في المنطقة الشرقية عامة وعند قبيلة العواقير على وجه الخصوص من نظرتهم لمشروع الكرامة، وأن تسليم الأمر لشيوخ القبائل وطمس إرادة المواطن كان نذير شؤم على قطاع كبير من العائلات حيث دفن عشرات الآلاف من الشباب في عمر الزهور وقطعت أطراف آلاف أخرى، وتعالت أصوات الثكالى، ورُمّل الأطفال، ونُشر الرعب، لا لشيء سوى التمهيد لدعيّ ليتولى الحُكم.
نهاية الأمر إن الحل الأمني لن يؤسس لدولة ولن ينشر الأمن والسلام في المجتمع، والحكمة تقتضي التوافق المجتمعي، لكنه الغائب الحاضر دائما، وحتى يتم ذلك نتسأل: كم هي الحكمة غائبة !!! وكم يعيش على هذه الأرض من مغفلين؟!!
___
المصدر/ موقع عين ليبيا