يعيش الغطاء البيئي في ليبيا حالة من التدهور بسبب العوامل الجوية المتغيرة التي يمر بها العالم بأجمعه ولكن عاملا فتاكا يهدد الحياة هنا ليس له علاقة بالطبيعة
قلة التوعية من خطر التصحر جعلت الناس تلتفت عن الأصوات المنادية بأهمية هذا الملف؛ لاستدامة الحياة الآن وفي المستقبل؛ بسبب الضجيج المصاحب لكل ملف “مستعجل” في ليبيا وانشغال المواطن البسيط بمشاكل الحياة اليومية التي تسببها له الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد.
المواطن شريك في الاعتداء على الطبيعة إما باقتلاع الأشجار وإضرام الحرائق من أجل التربح أو ببقائه صامتا تجاه الاعتداءات على الطبيعة والمسطحات الخضراء، مع أن ضحيته الأولى والأخيرة هى المواطن نفسه.
انتهاكات واعتداءات
في حديث مع الرائد عن آخر تقرير للجمعية الليبية لحماية الحياة البرية بخصوص الانتهاكات الحاصلة في الجبل الأخضر شرق ليبيا، قال العضو المؤسس بالجمعية إبراهيم القهواجي إن تركيزهم حول الجبل الأخضر كان نتيجة زياراتهم له، وللمشاريع المقامة مع الاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة، موضحًا أنهم رصدوا العديد من الانتهاكات، كان أكثرها خطورة ما يتعلق بانجراف التربة؛ بسبب اقتلاع المواطنين للأشجار، وإذكاء الحرائق في مناطق هشة تحتاج الى الاهتمام والعناية مثل أسطح الجبال المعرضة للتدمير بسهولة بسبب خصائص التربة المختلفة لديها مقارنة بظواهر طبيعية اخرى.
وبيّن القهواجي أن الدور الاجتماعي في ليبيا له وطأته حتى على المشاكل البيئية وكيفية مواجهتها، منوهًا بقضية ملكية الأراضي كأحد العوائق التي تواجه أي جهة أو منظمة تحاول إصلاح وتأهيل المشهد الطبيعي في ليبيا، مضيفًا أن بعض الأراضي التابعة للدولة كالمحميات تعاني نتيجة خلافات على ملكيتها دون نسيان الأراضي الخاصة.
ويقول القهواجي إن الدولة “محرجة” في التدخل في أراضي تتبع مواطنين، “ولكن عندما يكون لديك أرض بمساحة خمسة أو عشرين أو ثلاثين هكتار في منطقة هشة مثل الجبل الأخضر، فإن ما تقوم به سيؤثر على المناطق المجاورة الأخرى؛ لأن هذه بيئة والبيئة لا تعرف حدودا”، حسب قوله.
اقتراح بدائل ومعالجة
عن كيفية مجابهة هذه الظواهر، وموقف السلطات منها، يقول القهواجي إن هناك محاولات من المسؤولين بالدولة، ولكنها محاولات “محتشمة”، مشيرا إلى اعتمادهم بالدرجة الأولى على الأعراف، والتقاليد، ومجالس الحكماء عند محاولة تصحيح الأوضاع؛ لأن لهم وزنا أقوى من القانون، حسب وصفه.
ويؤكد القهواجي أن التغيير الحقيقي لن يأتي بإصدار القوانين لصعوبة تطبيقها على أرض الواقع في الوقت الراهن، لذلك كسب المكون الاجتماعي كسند وداعم للحفاظ على البيئة هو الحل الذي بإمكانه إنتاج حلول ملموسة ومؤثرة.
وأوضح القهواجي أن رؤية الجمعية للأمام هي إشراك المجتمع المدني، والعائلات المقيمة، أو المالكة للأراضي المنتهكة في العمل باستهدافهم بالتدريب على المحافظة والتهيئة؛ لتحقيق التوعية المطلوبة التي من شأنها أن تعُم الفائدة على جميع الأطراف، بما فيها الحياة البيئية، مشددًا على أن هذا هو “النموذج الحديث” في مجابهة هذه الأفعال، وأن فشل أي جهة في القيام بذلك سيعني رفض عروضها ومبادراتها من قبل المنظمات الدولية التي بإمكانها المساعدة.
من جهتها قالت العضو المؤسس لجمعية أكسجين حماية البيئة نجوى وهيبة إنهم في الجمعية “يتصدون لهذه الجرائم في حق البيئة والمُضرة صحيًا وبيئيًا” بإطلاقهم حملات للتعليم البيئي في المدارس وخصصت حصصًا ودروسًا منذ نحو عام 2012.
وأضافت وهيبة أن “أكسجين” أقامت العديد من ورش العمل، والمحاضرات، كان التركيز في بعضها على توعية السكان المحليين في واحدة من بؤر التعدي على الغابات وهي القره بوللي، فهي البوابة الشرقية للعاصمة، وأي اختلال في التوازن البيئي والطبيعي بها يرتد على الصحة، والطبيعة للسكان داخلها، قبل المناطق المحيطة بها، لذلك وجب توعية السكان؛ لحماية مواردهم، وطبيعتهم وصحة أجيالهم القادمة.
وقالت عضو أكسجين لأن الاعتداء على المسطحات الخضراء، وتجريف الغابات يؤثر في كل البيئة المحيطة، أوليناها أهمية كبرى في كل مشاريعنا، ومن بينها مشروعنا التربوي كتاب “مئة مرة ومرة” الأول الذي نهدف عبره للتوعية بكل التحديات البيئية في ليبيا، ومحاولة تقديم حلول لها.
وختمت وهيبة بالقول إنه من خلال مراقبة الجمعية، وعملها، فإن أسباب الاعتداء على المساحات الخضراء راجع؛ لقلة الوعي بـ “خطورة هذه الجرائم”، والبحث عن الكسب المادي هو ما يدفع الكثيرين للتعدي على أملاك الدولة العامة، إضافة إلى غياب القانون والرادع. وفق قولها.
مبادرات مزهرة
في المقابل هناك بوادر إيجابية تتحدى الوضع الراهن الذي يهدد الطبيعة في البلاد مثل الحملة الليبية للتشجير التي تستهدف زراعة ما بين 5 آلاف و8 آلاف شجرة في متنزه أبوغيلان بمدينة غريان في نسختها الخامسة والتي تشرف عليها المنظمة الوطنية للتواصل.
وأفاد رئيس فرع الحملة ببلدية غريان مفتاح دياب للرائد أن الحملة ستشهد مشاركة مؤسسات المجتمع المدني وسكان المدينة، للتوعية والتنبيه بأهمية الاحتفاء بالمشهد البيئي الليبي.
التنبيه والتذكير كان أيضا هدف قطاع الزراعة والثروة الحيوانية طرابلس من إقامة احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للشجرة، الخميس، حيث شدد رياض بيرام وكيل ديوان المجلس البلدي سوق الجمعة الراعي للاحتفالية في حديثه مع الرائد على ضرورة إقامة مثل هذه الفعاليات لحث الناس على “اهتمام أكثر بالبيئة المحيطة بهم”.
المشهد الآن واضح للعيان، سواء كانت نزهة قصيرة على سفوح الجبل الأخضر المهدد بفقدان رداءه، أم رحلة بالسيارة على الطريق الساحلي بين غابات القره بولي، وغوط الرمان المتصحرة تدريجيا، يمكنك رؤية أن خيارات اليوم المربحة ستكون لها نتائج وخيمة لا يمكن الرجوع عنها في المستقبل.