منذ سنين لم تشهد ليبيا أزمة مالية واقتصادية كالتي تعيشها لأكثر من ثلاث سنوات، تدهور الاقتصاد الليبي كان انعكاسًا للمشهد السياسي المتقلب، وضعف الوضع الأمني، وكان للسياسات النقدية للدولة النصيب الأكبر في هبوط قيمة الدينار أمام أسعار العملات الدولية، وشح السيولة؛ مما أثر على معيشية المواطن وزاد من معاناته بارتفاع للأسعار، ووقوفه في طوابير طويلة على أبواب المصارف.
محللون اقتصاديون يرون أن استمرار ليبيا بهذه السياسية المالية سيقودها بسرعة نحو الإفلاس والارتهان للدول والمؤسسات الدولية للاقتراض، ويضعون اللوم على المصرف المركزي ومحافظه، في “تعنته” ورفضه” لكل المقترحات التي قدمت له لإصلاح الوضع الاقتصادي، وهذا ما أسهم في مزيد من الانحدار للاقتصاد الليبي.
قصور المركزي تجاه السياسة النقدية والرقابة الخاطئة يجعله جزءا من المشكلة
قال الخبير الاقتصادي وحيد الجبو، في تصريح للرائد، إن المصرف المركزي يتحمل مسؤولية تفاقم الأزمة، لكنه ليس وحده من يتحمل المسؤولية، فالانقسام السياسي وازدواجية المؤسسات الاقتصادية ساهما في تأزم الوضع؛ مشيرا إلى أن إقفال الحقول والموانئ النفطية لمدة دامت حوالي 30 شهرا أدى لفقدان ليبيا لأكثر من 160 مليار دولار، كسبب هام لتفاقم التدهور الاقتصادي.
إلا أن الجبو صرح قائلا إن قصور المصرف تجاه السياسة النقدية والرقابة الخاطئة للمصارف والانفلات وحالات الفساد بالإضافة إلى الاعتمادات الوهمية جعلته جزءا من المشكلة.
رفض المركزي لمقترحات الخبراء يجعله مسؤولًا مباشرًا عن أزمة الاقتصادية
يرى الأستاذ بكلية الاقتصاد بجامعة طرابلس أسامة الأزرق أن المصرف المركزي ساهم بشكل “كبير” في الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد “برفضه” كل المقترحات؛ لأنه المسؤول عن السياسة النقدية، وهو الجهة التي تتحمل المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية، كما أن “رفضه” للمقترحات المقدمة من الخبراء والاقتصاديين جعله مسؤولا مباشرا عن الأزمة، إضافة إلى الأسباب الأخرى الخارجة عن إرادة الدولة الليبية مثل إقفال الموانئ النفطية وما ترتب عليه، وانخفاض أسعار النفط الخام العالمي، والانقسام السياسي الذي صاحبه انقسام في المؤسسات الاقتصادية المهمة.
المركزي جزء من المشكلة وبمفرده لن يأتي لها بالحل
يقول الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة خالد الدلفاق، إن المصرف المركزي هو جزء من المشكلة، ولا يمكن أن يأتي منه الحل بمفرده، موضحًا أن مسؤولية الأزمة يتحملها أطراف عديدة، أبرزها المصرف المركزي، ووزارتا الاقتصاد والمالية.
وأضاف الدلفاق للرائد، أن الانقسام السياسي له تأثير كبير على الاقتصاد الليبي، وكذلك إقفال الموانئ النفطية الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الدولار وشح السيولة النقدية.
سياسة المركزي الخاطئة هي من أوجدت السوق الموازية
وعزا الخبير الاقتصادي عمر زرموح وجود سوق موازية للنقد الأجنبي في ليبيا إلى سياسات المصرف المركزي “الخاطئة”، موضحًا أن السوق صاحبتها مشاكل اقتصادية أكثر سوءًا من انخفاض قيمة الدينار الليبي هي شراء البضائع الرديئة، والحاويات الفارغة، وانتشار الفساد المالي المصاحب لأي سوق موازية.
وأضاف زرموح، في تصريح للرائد، أنه كان على المصرف المركزي أن يتجنب مثل هذه الإجراءات، وأن يتخذ تدابير أخرى من شأنها أن تسهم في حل الأزمة، منوهًا إلى أنه ربما لا يستطيع المصرف المركزي السيطرة على كل شيء؛ لأن السياسة النقدية وحدها لا تعمل منفردة، إنما تعمل في حزمة من السياسات الأخرى النقدية والمالية والتجارية.
واتفق زرموح مع الخبراء الجبو، والأزرق، والدلفاق، في أن الانقسام السياسي هو من الأسباب الرئيسية للأزمة؛ لأنه من غير الانقسام السياسي لن يكون هناك إقفال للموانئ النفطية ولا تقويض للتحويلات السيادية، لافتًا إلى أن هناك أشياء كثيرة كان بالإمكان تجنبها لو كان هناك توافق سياسي.