فصل جديد في السياسة الدولية فتح بتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء الخميس 21 ديسمبر، على قرار ضد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وما أسفرت عنه من شبه إجماع دولي غير متوقع؛ لتمرير القرار الذي تقدمت به تركيا واليمن وأفغانستان وتراجعت عنه مالي؛ بمجموع 128 صوتًا مع القرار، وتسعة ضده، منها الكيان الصهيوني وأمريكا، ودويلات ما أنزل الله بها من سلطان.
وتحفظت 35 دولة، كلها في تبريراتها بعد التصويت أجمعت على عدم توافقها مع الإعلان الأمريكي أحادي الجانب، غير أنهم رأت عدم التصويت؛ رجاء عودة جميع الأطراف للمحادثات، بناء على ما توافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة سابقًا، ولسان حال كل منهم يقول إنما تجنبنا التصويت تفاديًا للغضب من المجنون الأمريكي، الذي أرسل مندوبته الليلة للجمعية العامة للأمم المتحدة، تهدد من يصوت مع القرار بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تفوّتها أو تنساها لهم، وستقطع المعونات عنهم، ولن تقدم لهم أي مساعدة مستقبلا ، معتبرة أنهم يصوتون على أمر أمريكي سيادي.
في الحقيقة القرار ضربة موجعة للسياسة الأمريكية ، خاصة من كل الحلفاء الأوروبيين الذين اتخدوا موقفًا واحدًا ضد ترامب لدرجة أن كل دول الاتحاد الأوروبي جملة أوكلوا لأستونيا تبرير تصويتهم مع القرار، إمعانًا في اظهار توحدهم بعيدًا عن الحليف القديم، غير عابئين بما وصلت له الدبلوماسية الأمريكية من انحدار للغة التهديد والصلف والوعيد.
جوقة الولايات المتحدة الأمريكية في المنظمة الدولية لم تقف معها كما جرت العادة ، فالجانب الأحادي الذي ضرب به ترامب كل الأعراف والقرارات الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة سابقًا لم يُبقِ لهذه الدول غير الامتناع عن التصويت اتقاءً لشر ترامب فحسب.
والرابح الأكبر هو الجانب الفلسطيني الذي وُفّق تمامًا في كلمة المالكي القوية ردًّا على ابتزاز المنذوبة الأمريكية لأعضاء الجمعية العامة في كلمتها أمامهم، ثم في تمرير القرار ، الذي، حتى وإن كان غير ملزم، غير أنه إعلان من المجتمع الدولي ببقاء الوضع في القدس على ماهو عليه، واعتراف من المنظومة الدولية بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين ليتسنى – حسب النظرة الأممية – العمل على حل القضية الفلسطينية ضمن دولتين وفق حدود 67، وحتى العودة للحوار لتحقيق ذلك ستبقى السفارات للدول التي لها تمثيل عند الكيان الإسرائيلي في مكانها ولن تنقل للقدس، وتبقى للأردن الوصاية على المناطق المقدسة، مع تزعزع تام في الموقف الأمريكي كوسيط في الحوار بين الجانبين بعد انحيازه الأخير.
أيضا استفادة الجانب الفلسطيني من الزخم القوي الذي قدمته قمة المؤتمر الإسلامي، التي كانت فاعلة على غير العادة في مواجهة الصلف الأمريكي وردعه، مستمدة قوتها من الآلاف من المتظاهرين في العالم الإسلامي الذين خرجوا منددين بالموقف الأمريكي الأحمق من القدس الشريف.
ختامًا لعل من حسن طالعنا أن وصل ترامب للبيت الأبيض، فهو الأبله المناسب لإنهاء حقبة القطب الوحيد للعالم، وتنفيذ أسرع برنامج لتفكيك الولايات المتحدة الأمريكية، وما سيجره ذلك علينا وعلى العالم العربي والإسلامي ودول العالم الثالث من فائدة.