ليست رغبة في معاكسة توفيق الحكيم، الذى ربما عاش لحظة عودة الوعى يوم أن كان غائبا غارقا شاردا وسط ديماغوجية الناصرية، ولكني أتكلم عن رحيل الوعى اليوم وسط ارتدادات الدولة الوطنية المستبدة التي أفسدت أكثر مما أفسد الاستعمار الإمبريالي المباشر.
من يدعو لعودة الاستعمار المباشر هم فقط العبيد، ومن يدعو لدوام حكم الدولة الوطنية المستبدة هم فقط العبيد، وهنا لا تستغرب أن يكون لهم صوت عالٍ يخفى خطورة كلا المرضين.
العبيد في الدولة الوطنية المستبدة يسخرون الدين لتبرير قبول الاستبداد، والعبيد في الدولة الاستعمارية الإمبريالية أيضا يستخدمون الدين لذات الغرض.
والدين ماذا يقول عنهم؟ “يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل” دائما هكذا يتجلى الدور السلبي للخطاب الديني، وممارسة المحسوبين على التمثيل الرسمي للمؤسسات الدينية، فتكونت عند النصارى دوائر صادرت حق تفسير النص الديني سميت بدوائر “الإيكليروس” مع مطلع القرن الثالث الميلادي، كي تأتي مصادرة الفتوى في المنظومة الإسلامية مع العصر العباسي في النصف الثاني من القرن الميلادي الثامن في بغداد، حيث بدأت الدولة تضع يدها على الفتوى وتصادرها من خلال مؤسسات الفتوى أو قضاء الجماعة.
صيغ الاستبداد ونسخت آية الشورى ومحوريتها في صحة وسلامة المرجعية ( de jure)، واستبدلت بمرجعية سلطة الواقع (De facto) والتي لم تتأسس عبر الآلية الإسلامية كما رسمها القرآن، بل عبر استنساخ الجبرية والكسراوية والقيصرية من الجوار الإسلامي حينها، امتدادا لما كان الأمويون قد ابتدعوه من قبل في سياسة الحكم من ظاهر الملك المورث، وهكذا تم الاستيلاء على السلطة ومصادرة الفتوى عبر ما يعرف بمجالس الإفتاء أو المفتي أو هيئة كبار العلماء بحسب الذى يصطلح عليه في كل دولة يقطنها مسلمون.
وهكذا اختفى الوعى خلف سواتر دخانية تصاعدت من قمامة الصحف ومخازن الوراقين، أو من فوهات بنادق العسكر ودهس نعالهم اللعينة على رؤوس المواطنين، أما حكم ونظام سياسي يتأسس على أصل جامع مداره على الاختيار الحر من المواطنين فهو ما غاب لقرون عنا، وهو السبب الرئيس لكل أفول يحصل بعد كل لمعان أوهمنا أننا على شيء !!!
كل ما يمكن أن يوصف بأنه صعود لا يمكن أن يستقر ولا أن يستمر ولا أن يكون حقيقيا، ما لم تكن قاعدته توازن اجتماعي سياسي على قوة صلبة من التراضى بيننا، أما ما قد يفعله بعض الانتهازيين في اقتناص الفرص للصعود الفردي على سدة الحكم، فهو مزيد من الهروب نحو سفح الجبل أمام كرة الثلج المتدحرجة خلفنا لتسحقنا لا محالة عند بطن الوادى، وقد تضخمت بقدر يكفى لسحق الجميع دون استثناء.
وهنا يجب أن يعلم من فاته العلم وأن يستدرك من فاته الوعي، أننا لم نخن أحدا بل رفضنا الظلم لما تأتّى لنا رفضه وواتت فرصة لذلك، ومن العيب والخطأ أن يُنظر إلينا على أننا انتزعنا الحكم من مستحقيه بل نحن كسرنا قيدا كان يكبل معاصمنا، وهذا لا ينكره إلا مشوه الفطرة عليل.