الجميع يتحدث عن الإصلاح الاقتصادي وضرورته الملحة الآن، البنك المركزي يبني رؤيته لحلحلة الأوضاع المأساوية التي وصل لها المستوى المعيشي للمواطن وحالة التردي منقطعة النظير، على اتفاق كل الليبيين والممثلين في المؤسسات السياسية على مشروع إصلاح شامل ومرسوم بمسطرة الخبراء الاقتصاديين، ولكنهم جميعا لا يجدون سبيلا اليه.
رفع الراية الحمراء، كما تحدث المحافظ، دلالة على أنه أدرك أن الأفق قد ضاق، وهو يعمل بدون آليات نقدية، برغم أن بعضها متاحة وغير مفعلة، كالدفع بتفعيل سياسات الائتمان وأدوات جذب السيولة وغيرها.
ما لم يقُله المحافظ صراحة أن أي محاولة لتعديل سعر الصرف من قبله سيكون محكوما عليها بالفشل، والسبب أنها تحتاج إلى إقرار من مجلس إدارة البنك المركزي وفقا للقانون، وليس لديه تخويل من مجلس إدارته للقيام بذلك، وليس لديه مجلس إدارة مكتمل النصاب لإقرار تعديل سعر الصرف، وبالتالي فالبنك المركزي يعلم ويؤمن أن حزمة الإصلاحات تحتاج إلى إطار قانوني غير موجود إلا بإقرار جميع السلطات وخصوصاً البرلمان والمجلس الأعلى للدولة حتى تكسبه وتكسب برنامجه الشرعية، ولا تسقط عند أولى عتبات المحاكم، مما قد يسبب في التزامات كبيرة على البنك المركزي ويقضي تماماً على الأمل المتبقي لديه ولدي الحكومة.
لا شك ان الأمر حساس ودقيق، ويحتاج إلى تبصر من الجميع، وأعود وأقول إن الإسراع في الاتفاق السياسي وتوحيد المؤسسات الاقتصادية أمر بالغ الأهمية والحساسية الآن، وعندها قد لا نحتاج إلى إقرار مسالة تعديل سعر الصرف من السلطة التشريعية، وقد لا نذهب إليها إذا ما تغيرت المعطيات السياسية والاقتصادية، وقد تكون مؤقتة تهدف إلى معالجة الدين العام المتفاقم.
على كل حال يبقى إعادة بناء المنظومة الاقتصادية في ليبيا أمرا حتميا، ولا بد أن نعي أن الخيارات تضيق كل يوم أمام الجميع، والبنك المركزي والحكومة والمجالس التشريعية هي المسؤولة بشكل أساسي أمام ما يعانيه الاقتصاد والمواطن المغلوب على أمره.
ما قاله رئيس ديوان المحاسبة في تصريحاته الأخيرة يدل على موقف متعقل ومدرك لخطورة الوضع الصعب الذي تعيشه البلاد، وربما هو أيضا يرفع الراية الحمراء أمام الجميع، إننا في حاجة في ظل هذه الظروف القاسية إلى أن نعمل متضامنين معا كمسؤولين؛ للوصول إلى حالة التوازن، والسير بشكل يساعد على ترميم الأوضاع المعيشية للمواطن؛ انتظارا لإعادة بناء مؤسسات الدولة وتوحيدها عبر إقرار سريع لاتفاق شعاره “لا غالب ولا مغلوب بل الجميع شركاء في الوطن ومنتصرون”.
ما لم يقُله رئيس ديوان المحاسبة هو أن استخدام الصلاحيات القانونية الموكلة للجهاز في هذه الظروف قد يعقّد المشهد أكثر، ويزيد من تردي الأوضاع الاقتصادية، ويُدخل البلاد في أتون حرب تطحن المواطن أكثر؛ لذلك على الجميع أن يدفع بالتي هي أحسن، وأن يقتربوا أكثر من العمل بروح الفريق؛ فلن ينجو أحد من الكارثة المحدقة، لا سمح الله.