كلما أردت أن أبتعد عن عالم السياسية، يردني العهد الذي قطعته على نفسي أن لا أسمح، بإذن الله، بتزوير التاريخ وأنا حي، طالما أنني كنت شاهدا عليه، وشهادتي من الزاوية التي رأيت من خلالها الأحداث، وقد يكون غيري اطّلع عليها من نافذة أخرى.
أرجو من القارئ الكريم المعذرة في الإطالة حفاظاً على ذاكرة الأجيال.
الحمد لله، انتهينا من خطاب التحرير، وقد وافقني الأستاذ غوقة في صدق ما ذكرت بشأنه في مقالي الأخير، والآن نأتي في عجالة إلى ذكر باقي ادعاءات غوقة في لقائه على قناة 218 الليلة الماضية، حيث ذكر أربعة أمور:
قال مقالة في حق أعضاء المجلس الوطني الانتقالي عن طرابلس وجب توضيحها، ثم تحدث عن قوى وتنظيمات كانت تسعى للانتخابات قبل الدستور، وتكلم عن مشروع الحرس الوطني، ثم عرج على وسم التيار الذي أسماه بتيار الإسلام السياسي باستهداف رأس المؤسسة العسكرية الشهيد عبد الفتاح يونس رحمه الله.
أعضاء المجلس الوطني عن طرابلس
أقول وبالله التوفيق؛ لقد ذكر الأستاذ غوقة أن شخصيات من طرابلس انضمت إلى المجلس الوطني الانتقالي وأن جُلّهم تابعون للإخوان المسلمين.
للأسف جل أصحاب الفكر القومي الناصري المعادين لأصحاب الفكر الإسلامي من عادتهم أن يسموا كل من لديه أدنى ثقافة إسلامية بوسم الإخوان ليسهل محاربته وإبعاده عن ساحة التنافس السياسي.
أعضاء المجلس الوطني الانتقالي عن طرابلس هم:
- عبد الرحيم الكيب أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء.
- الصديق الكبير، محافظ مصرف ليبيا المركزي.
- عبد الرزاق مختار، سفير ليبيا بالجمهورية التركية. ا
- لدكتور الأمين بلحاج. الدكتور محمد الحريزي.
- المهندس عبد الرزاق العرادي.
وليس لأحد منهم علاقة تنظيمية بجماعة الإخوان المسلمين عدا الدكتور الأمين بلحاج فقط، ولا أنا حينها، وهذه حقيقة قد تكون مفاجئة للأستاذ غوقة. نعم أنتمي للمدرسة الوسطية فكريا، وقبلي بأكثر من عشر سنوات انقطعت علاقة الدكتور محمد الحريزي بجماعة الإخوان أيضاً. لدي علاقات واسعة وطيبة بأعضاء من جماعة الإخوان وبعض قياداتها، ولكن يشهد الله أنني خلال وجودي في المجلس الوطني الانتقالي لم يكن لدي أي تنسيق مع أي جهة، ولم أعرض أي موضوع ولا أي مقترح يخص المجلس وأعماله على أي تنظيم أو أية جماعة، وكان كل تعاملي مع الناس بصفتهم ليبيين لا أكثر ولا أقل.
بعض المقترحات التي قدمتها للمجلس
الحرس الوطني
وهذا يفند قول غوقة إن الإخوان قدموا مشروع الحرس الوطني، فأنا الذي تقدمت بمشروع الحرس الوطني، كما تقدمت بعدد آخر من المقترحات، بعد جلسات عقدها المستشار مصطفى عبد الجليل مع عدد من الثوار وطلب مني حضورها، وأخذت على عاتقي كتابة المقترح معتمدا على بعض الأوراق التي تقدم بها الثوار، وتقدمت به للمجلس ورفضتموه كما ذكرت.
رفض الحرس الوطني كان كارثة، وإلا لتم وضع جميع الثوار تحت الأمر العسكري إلى حين إعادة تجميع الجيش الليبي. ليس بجديد أن يتم جمع المقاتلين في كيان مستقل كما فعلت أمريكا تحت نفس المسمى ” الناشيونال جارد”، وفي فرنسا تم تجميع المليشيات التي كانت تقاتل تحت نفس المسمى أيضاً “لاجارد ناسيونال”، فأي خلل في أن يتقدم عضو في مؤسسة سيادية بمقترح بناء على تجارب دول العالم؟ أيهما أفضل جمع الثوار تحت جسم واحد أم الحالة الكارثية التي كنتم وراءها برفضكم لفكرة الحرس الوطني، التي كانت كفيلة بجمع السلاح ودمج حامليه تحت الأمر العسكري؟
دعم مؤسسة الشرطة
كما تقدمت أيضاً بمقترح لزيادة القوى العمومية للشرطة في طرابلس عندما كنت نائبا لرئيس اللجنة الأمنية العليا – طرابلس، والتي قامت بمجهود جبار في حفظ الأمن في طرابلس عقب التحرير، دون أن يكون فيها أكثر من عشرة موظفين، وذلك بالتعاون مع وزارة الداخلية وبالذات وزيرها الدكتور أحمد الضراط الذي كان داعما وكذلك كتائب الثوار.
لقد نجحنا بفضل الله في زيادة القوى العمومية من الشرطة من عشرات الأفراد إلى ألفين وخمسمائة شرطي في طرابلس، ويشهد بذلك العقيد جمال صفر، رئيس اللجنة المكلفة من وزارة الداخلية بتأمين العاصمة، الذي يشهد أيضاً ما فعلناه من صيانة لمراكز الشرطة في طرابلس، والدعم الذي قدمناه لأفراد الشرطة.
دمج الثوار وجمع السلاح
كما تقدمت أيضاً بمقترح الاستراتيجية الشاملة لتكريم الثوار المحاربين، وبسط الأمن، وتنظيم حيازة السلاح، الذي شارك في إعداده كل من وزارة الداخلية، والمجموعة الوطنية الاستشارية، وهيئة شؤون المحاربين، ولجنة حماية وتأمين العاصمة بوزارة الداخلية، وحضر أحد جلساته رئيس الوزراء المرشح عبد الرحيم الكيب قبل أن يتسلم مسؤوليته رئيسا للوزراء.
خيارات أمام المجلس الوطني الانتقالي
وأما قول غوقة إن هناك تنظيمات أصرت على الذهاب إلى انتخاب جسم تشريعي قبل الدستور، ففيه أقول للتاريخ: بعد مقتل الشهيد عبد الفتاح يونس لم يعد الشارع الليبي يقبل باستمرار المجلس الوطني الانتقالي، خاصة بعد زيادة عدد أعضائه، من 33 عضوا قبل تحرير طرابلس إلى ما يزيد عن المائة لاحقاً.
تداول المجلس الوطني الانتقالي ثلاثة خيارات: الخيار الأول، أن يستمر المجلس الوطني الانتقالي إلى حين كتابة الدستور، أيد هذا الخيار أربعة أعضاء، وكان وراء هذا المقترح المرحوم عبد الله الميهوب رحمه الله، ووافقه كل من الأستاذ عاشور بوراشد، وعبد الرزاق مختار، وعثمان المقرحي لا غير. الخيار الثاني، هو أن يذوب المجلس في المؤتمر وذلك بأن يقتصر عدد أعضاء المجلس الوطني الانتقالي على خمسين عضواً ويُضاف مائة وخمسين عضواً آخرين بالانتخاب. وكنت من المؤيدين لهذا المقترح؛ وذلك لضمان استمرارية العمل على خارطة الطريق دون انقطاع. الخيار الثالث، وهو الذهاب لانتخاب المؤتمر الوطني العام وتسليمه السلطة. وكان غوقة مع الخيار الثاني أو الخيار الثالث، ولكنه قطعاً لم يكن مع الخيار الأول الذي كان قصراً على الأعضاء الأربعة الذين ذكرتهم، فكيف تأتَّى له أن يحول هذا التداول البريء إلى مؤامرة يكون قد شارك فيها، ثم يرمي بها آخرين.
من الذي اغتال الشهيد عبد الفتاح يونس؟
وأما قوله، إن تيار الإسلام السياسي استهدفوا رأس المؤسسة العسكرية الشهيد عبد الفتاح يونس فهذا محض افتراء؛ فالذين قاموا بآخر مراحل الاغتيال كانوا ينتمون إلى جماعة العنف الذين لا يؤمنون لا بالسياسية ولا بالديمقراطية ولا حتى بالدولة. وهذا للأسف إيحاء لتوجيه التهمة بشكل رخيص إلى خصومه من التيار الإسلامي الذي يؤمن بالعمل السياسي والممارسة الديمقراطية.
أترك الإجابة على جملة من الأسئلة المهمة للأستاذ عبد الحفيظ غوقة وهو نائب رئيس أعلى سلطة في البلاد في ذلك الحين، أربعة أسئلة محورية لو استطعنا الوصول إلى إجابات عنها لعرفنا من القاتل الحقيقي، وأما القاتل الأحمق فهو من نفذ الجريمة:
- من الذي أتى بالأدلة الوهمية الواهية التي وجهت على أساسها التهم للفريق الشهيد عبد الفتاح يونس؟
- من الذي سمى قاضي التحقيق جمعة الجازوي رحمه الله؟ ومن أشار بتسميته؟
- من الذي كلف مدنيين لاستجلاب الفريق عبد الفتاح يونس من غرفة العمليات بالزويتينة بدلا من العقداء الأربعة (أو الثلاثة لا أذكر) الواردة أسماؤهم في طلب الاستدعاء؟
- من الذي أمر بتحويل عبد الفتاح يونس من معسكر قاريونس إلى مسرح الجريمة في كتيبة أبوعبيدة بن الجراح؟
لو استطعت حضرتكم، وأنت في مكان المسؤولية كنائب للرئيس، المشاركة بما تعلم بتجرد وصدق في الإجابة عن هذه الأسئلة لتوصلنا إلى القاتل، ولا أظن أنك لا ترغب في الوصول إليه، حتى لا تظل ترمي به بريئاً.. ذكرت لك ووافقتني.. وعند الله تجتمع الخصوم.
عبدالرازق العرادي / عضو المجلس الوطني الانتقالي
المصدر: موقع عين ليبيا