كل الأخبار القادمة من حي “قمرت” بتونس العاصمة تؤكد أن حجر العثرة في المفاوضات هو موقع قائد عام الجيش التابع للبرلمان، خليفة حفتر. فوفد البرلمان – أو بعض أعضاء الوفد – يصر على تضمين حفتر في الاتفاق وفي موقع متقدم جدا في المؤسسة العسكرية، بينما يقول أعضاء المجلس الأعلى للدولة إن رهانهم على المؤسسات وليس الأشخاص.
الإحساس عندي أن المجلس الأعلى للدولة قد يقبل بمنصب قيادي لخليفة حفتر على أن يضمن المجلس ألا يتفرد الأخير بالقرارات ومن ثم يستأثر بالسلطة العسكرية والأمنية في البلاد.
المنطق يقول بأن الاتفاقات والقرارات في صياغتها النظرية تشكل أساسا للتسوية السياسية ولكنها ليست ضامنة لتطبيق الاتفاق، والضمانة في القوة في الميدان وفي القدرة على إنزال بنود الاتفاق على الأرض من خلال توافق شامل.
كلا المرجِّحين غير متوفر في اللحظة الراهنة، إذ لا توجد قوة عسكرية موحدة قادرة على تنفيذ الاتفاق، ومن الواضح أن الوفاق الكامل غير ممكن في ظل ما رشح من خلافات بين الوفدين، وبالتالي فإن السيناريوهات المتوقعة هي:
- استصحاب الوضع الراهن وتمترس كل طرف حول مكتسباته السياسية مما يعني تكريس الانقسام والتقدم خطوات باتجاه التقسيم.
- الوصول إلى اتفاق مبهم قابل للتفسير حسب رغبات كل فريق مما يعني تغيير طفيف في المعادلة السياسية وتطور محدود في الاصطفاف، دون الوصول إلى حكومة موحدة قادرة على معالجة الأوضاع الأمنية والخدماتية المنهارة.
- فشل الخيار السلمي والذهاب إلى مرحلة مواجهة مسلحة يمكن أن تلعب فيها الأطراف الإقليمية دورا أساسيا؛ لإضعاف كفة أنصار المجلس الأعلى وتمكين الجيش التابع للبرلمان.
المجلس الأعلى للدولة وهو يفاوض اليوم برؤية تقوم على توافق متوازن والتعويل على معايير الكفاءة في تولي المناصب وليس الولاء والعصبية لجهة أو شخص، لا يملك أوراقا لفرض رؤيته غير بعض الدعم من أطراف دولية، هذا الدعم من الممكن أن يتحول لصالح مقاربة جديدة لا تُرضي المجلس الأعلى للدولة، وحجة الأطراف الدولية هو البحث عن مخرج سريع لتحقيق الاستقرار، والمخرج عندما تتأزم الأمور أكثر ويقع الانسداد السياسي يكون بمماهة الطرف الأقوى سياسيا وعسكريا، وهو في هذه الحالة البرلمان وجيشه.
لقد نجح خليفة حفتر في سرقة الوقت وتصميم المعادلة السياسية والأمنية لصالحه وترجيح كفته محليا ودوليا، فبادر بالتعبئة العسكرية وتقدم مراحل في مشروعه العسكري حتى صار مسيطرا بدرجة كبيرة في مناطق الشرق، وحاضرا بقوة في الجنوب، ومناورا في مناطق غرب ووسط البلاد، في مقابل عجز عسكري للقوة الموالية لحكومة الوفاق برغم أنها تفوق قوة حفتر في العدد والعتاد ومتمرسة بدرجة أكبر في القتال.
وفقا للوضع السياسي والأمني الراهن فإن انهيار المفاوضات سيبقي خليفة حفتر وحيدا في الميدان، إذ لن تكون للأجسام المنبثقة عن الاتفاق السياسي أي قيمة بل ربما لن تحظى بمشروعية؛ ولأن القوة هي الحكم ولأن رصيد حفتر شعبيا كبير نسبيا ولا منافس له فسيكون الرابح الأكبر من العبث الجاري في تونس، وقد صرح بذلك في أكثر من مناسبة بالقول إنه سيمهلهم حتى 17 ديسمبر وهو تاريخ انتهاء المهلة المقررة للاتفاق السياسي.
بالمقابل، ولأن حفتر يراهن على الحسم العسكري، فليس من المتوقع أن يقع ذلك دون ثمن، بل من الممكن أن يكون الثمن باهظا، من خلال اندلاع مواجهات في العاصمة والمدن الرئيسية.
هذه النتائج المحتملة ليست في حساب وفدي الحوار، كما أنهم لا يدركون معنى انهيار التفاوض بالنسبة للمواطن الذي أنهكته الأزمة الاقتصادية أيما إنهاك، ولأنهم لا يقدرون ذلك فإنه من الخطأ الكبير أن يكونوا أوصياء على الليبيين ويتفردوا بتقرير مصيرهم ، وربما الذهاب بهم إلى مرحلة متقدمة من التأزم.
السنوسي البسيكري / مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية
المصدر: العربي 21