منذ صباح الجمعة الرابع عشر من فبراير 2014 وخروج حفتر في بيان تلفزيوني عبر قناة العربية الإماراتية، وتجميده الإعلان الدستوري الذي شكل خريطة طريق للتحول الديمقراطي بعد ثورة فبراير، يومها كان البديل الذي قدمه خليفة حفتر للشعب الليبي هو قيادته لليبيا عبر ما سماه بالمجلس العسكري، وإنها مجرد مرحلة يتم تنظيم البلاد خلالها ثم يعود هو وعسكره إلى مقراتهم ومعسكراتهم ويسلم السلطة لأجسام منتخبة.
منذ ذلك اليوم كنت على يقين أن هذا العسكري المتقاعد عينه على السلطة، وهي هدفه الذي يرنوا للوصول إليه مهما كان الثمن، السلطة التي حرمه منها ولعقود معمر القذافي شريكه في انقلاب سبتمبر 1969، حرمان ظل لأكثر من أربعين سنة منها 24 سنة قضاها بين سجون الأسر في تشاد وشقة صغيره في ولاية فرجينيا الأمريكية، ثم إلى بيت كبير في القاهرة، كان هدية من معمر القذافي بعد زيارة نجل حفتر واستعطافه للقذافي، وقد عرفت إعلاميا بالفيلا الفخ.
لم ينته يوم الرابع عشر من فبراير 2014 حتى أصبح حفتر مطاردا من قبل الأجهزة الأمنية و الشرطة العسكرية، يومها تمكن خليفة حفتر وعدد من أتباعه من الهروب من المنطقة الغربية عبر الصحراء ليصل إلى مزرعة في ضواحي بنغازي حسب شهادة رفيقه العقيد منصور المزيني العبيدي.
بيان حفتر لم يذكر فيه تلك الكلمة الذهبية ذات الخمس حروف “إرهاب”، وأعتقد أنه في تلك الفترة كان عمل حفتر و من معه اجتهادا فرديا قبل أن تجد المخابرات الإمارتية شخصا يطمح للسلطة و بأي ثمن حتى وإن أحرقت ليبيا بكاملها، و كان للمساعدة والخبرة المخابراتية الإمارتية دور فعال في تسويقه وبشكل جديد، وكانت محاربة الإرهاب في 16 مايو 2014 ، وليستفيد أيما استفادة من أعمال جماعة الأنصار الإرهابية، والفوضى الأمنية في بنغازي وحالة ترويع واغتيال الكثيرين من أبناء بنغازي .
وبعد سنوات ثلاث فشل حفتر في الوصول إلى العاصمة طرابلس، وعادت لحكومته الشرعية والاعتراف الدولي بها، عبر اتفاق الصخيرات المغربية.
ونجحت هيئة صياغة الدستور في إصدار مشروع للدستور رغم محاولة حفتر عرقلة صدوره، وما هي إلا أيام حتى بدأ حفتر يرتب ملفاته ويعيد تمركز تحالفاته، ويزيد من عوالم الثقة ليكون على رأس السلطة التنفيذية.
فخرج علينا أتباعه من إعلاميين وقنوات بما سموه تفويض المؤسسة العسكرية لمدة أربع سنوات فقط؛ لينظم البلاد، وبعدها يتقاعد ويعود إلى بيته ويصبح مواطنا بسيطا يقضي جل وقته مع أحفاده أو في التنقل بين البيت والمسجد القريب منه، أو يعكف على كتابة مذكراته، فهذه الخدعة العاطفية مللنا سماعها من كل العسكريين الطامعين في السلطة عبر قنوات الانقلابات من عبد الناصر إلى القذافي والبشير وعلي عبد الله صالح، وما الجارة مصر السيسي وعسكره منا ببعيد.
لماذا لا يريد خليفة الوصول للسلطة عبر الانتخابات في الوقت الذي صدع فيه رؤوسنا، أنصاره من محللين وبحاث وخبراء وقيادات قبلية بأنه هو المنقذ الوحيد، وأن الأغلبية الساحقة من الشعب تريده، وتعشقه الجماهير العريضة عشق الرضيع لحضن أمه، وقد تعددت ألقاب التمجيد التي أطلقها مريدوه ليكون آخرها “المنتصر بالله”.
فهل يتوجس حفتر من الترشح للانتخابات خوفا من رفضه كونه يحمل الجنسية الأمريكية، فالرجل يستطيع وبسهولة جدا التنازل عنها بطلب كتابي إلى سفارة أمريكا في القاهرة أو عمّان، وفي أسابيع قليلة تنتهي الإجراءات الإدارية.
أو ربما هو يخشى تزوير الانتخابات في المنطقة التي لا يسيطر عليها وهي ذات الكثافة السكانية الأكبر التي تصل إلى 67% من الليبيين، وهذه المخاوف تزيلها ضمانات اشتراط مراقبة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والإفريقي، وجامعة الدول العربية واتحاد المغرب العربي والمؤتمر الإسلامي، وحتى تجمع دول الساحل والصحراء، ويستطيع حاكم دولة الإمارات محمد بن زايد توفير الأموال لأكثر من عشرة آلاف مراقب دولي للانتخابات، فتكلفة أولئك المراقبين أقل بكثير من تكلفة السلاح الذي يرسله بن زايد إلى حفتر منذ ثلاث سنوات.
والحقيقة أن الأنباء من برقه تشير إلى حالة من الجمود في حملة التفويض بعد أكثر من شهر و نصف، وتعود أسباب التوقف إلى ضعف المشاركة الكبيرة لأبناء برقه في عملية التفويض رغم وصول الحال بالكثيرين إلى التوقيع بالقوة وتحت تهديد السلاح رغم الضخ الإعلامي عبر منصات التواصل الاجتماعي وعبر قناة “ليبيا الحدث” التي تعمل من بنغازي، ويمتلكها نجله صدام، وعبر قناة “ليبيا الإخبارية” التي تعمل من مدينة البيضاء، وتمولها حكومة عبدالله الثني، والأرقام تشير إلى أن الموقعين لا يتجاوز عددهم 50 ألفا من كل مدن برقة.
وبعد هذه النتائج الأولية أعتقد أن رفض حفتر أن يأتي إلى السلطة عبر الصندوق هو لعدم ثقته في المواطن الليبي.
فالكثير من الليبيين اكتشفوا أنه ليس استثناء من الشخصيات المتصارعة على السلطة، وممارسة أبنائه من الفساد المالي والدور المشبوه لأبناء عمومته واحتكار المناصب لهم، وهناك من الليبيين من شاهدوا بأعينهم دمار بنغازي، وفشله في تأمين المدينة، حيث يستيقظون كل صباح على أخبار الجثث في مكبات القمامة وشارع الزيت، وحصاره وتجويعه وحرمانه من الدواء لأبناء العمومة والأصهار والأصدقاء بمدينة درنة.
حفتر يعلم أن سكوت الكثيرين في برقه ليس لقبولهم بما يحدث، وإنما هو الخوف من أن يكون مصيرهم جثثا مجهولة أو معتقلين بأسماء وهمية في سجون قرنادة والكويفية والرجمة.
كما أنه يعلم أن الشاب الليبي يريد رئيسا يشاركهم بناء بلاده، ومقتنع أن العسكر ليسوا بناة أوطان، وأن بنات ليبيا تريد زوجا يعود لها بعد فراغه من عمله لتعيش معه حياة سعيدة يشاركها تربية أطفالها، ولا تريد أن يكون أطفالها أيتاما مثل الآلاف من أيتام عملية الكرامة، وتعلم أن حفتر لا مشروع له سوى إشعال الحروب، وكذلك الأمهات والآباء يريدون أبناءهم بخير ليكونوا سندا ودعما لهم في أيام الشيخوخة والكبر، ولا يريدونهم مبتوري الأطراف أو معاقين على كراس متحركة.
أعلم أن الكثير من الليبيين ناصروا حفتر لفترة، لكنهم علموا جيدا أنه لا يستطيع تحقيق ليبيا التي تراود أحلامهم.
عبد السلام الراجحي / كاتب ليبي
المصدر: موقع ليبيا الخبر