بعد أكثر من أربعين عاما على تجميد العملية الديمقراطية في ليبيا جاءت البداية سريعة جدا فكانت أول انتخابات حرة وشفافة بعد 110 يوم فقط من إعلان تحرير ليبيا من كتائب القذافي. كانت البداية من مدينة مصراتة بانتخاب مجلس المدينة المحلي يوم 20 فبراير 2012 وعندما كان المجلس يؤدي أعمال البلدية يومها قال مراسل قناة هيئة الإذاعة البريطانية “غابرييل غيتهاوس” عن شعور أهل مدينة مصراتة ( ويشعر الناس في مصراتة أنه يمكنهم أن يضعوا نموذجا لبقية المدن في ليبيا، ويقولون اتبعونا إذا أردتم، لكننا لا نقف لننتظر ).
وكانت التجربة الانتخابية ناجحة جدا حيت شارك أكثر من 65% من سكان المدينة الذين يحق لهم المشاركة الانتخابية مع انطلاق الانتخابات المحلية في عدد كبير المدن الليبية، مثل بنغازي والبيضاء والخمس وزليتن .
لهفة المواطنين في التحول الديمقراطي ونجاح التجربة الانتخابية، قابله في ذلك الوقت تخبط المجلس الوطني الانتقإلى والصراعات غير المعلنة داخله فانعكست سلبياتها على أداء المجالس المحلية، فيما كانت تكمن رؤية بعض أعضاء المجلس الوطني الانتقإلى إلى دفع وتصدير كل الصعوبات التي عجز عنها المجلس إلى الجسم الذي سوف يحل محله، وهنا أقصد المؤتمر الوطني العام، وبالفعل تم تصدير بعض تلك الصراعات إلى المؤتمر الوطني العام من جهة ورئيس حكومته علي زيدان من جهة أخرى، حيت كانت رؤية رئاسة الحكومة أنها هي من يقوم بتكليف عمداء البلديات، فيما كانت رؤية الجسم التشريعي آنذاك، وهوالمؤتمر الوطني العام، أن يتم انتخاب المجالس البلدية، وأعضائها هم من ينتخب عميد البلدية.
وبعد صراع انتصرت رؤية المؤتمر الوطني، وتم إصدار قانون الحكم المحلي المعروف بقانون (59) ولكن “علي زيدان” عمل على تأخير تحويل ميزانية اللجنة المركزية لانتخابات المجالس المحلية في محاولة لإبطاء العملية الانتخابية، وبعد ضغوطات تم تحويل الأموال للجنة.
العديد من المدن كانت بها صراعات داخلية، فكل منطقة أو قبيلة أو أسرة بالمدينة تريد بلدية مستقلة، على سبيل المثال مدينة الزاوية انقسمت إلى أربع بلديات، وطرابلس الكبرى إلى 13 بلدية، فيما كانت هناك مطالب من بعض القري التي لا يزيد تعداد سكانها على 5 آلاف نسمة أن تكون بلدية.
كما برز صراع آخر على حدود البلديات، فكل مدينة أو منطقة تريد مساحتها أكبر أو تريد ضم أي مشروع زارعي أو صناعي أو خدمي أو مؤسسة حكومية لحدودها الإدارية. ومع كل تلك الصعوبات كانت الانطلاقة بانتخابات المجلس البلدي لمدينة البيضاء .
وبعد أشهر قليلة بدأت الصراعات داخل عدد كبير من المجالس البلدية حتى وصل الأمر إلى أن بعض البلديات أصبح لها عميدان، وفي ذات الوقت فإن تجربة وزارة الحكم المحلي لم تكن كبيرة في حل النزاعات الداخلية .والسبب الرئيس في هذه الصراعات هو اختلافات وجهات النظر داخل المجلس البلدي الواحد.
وأعتقد أن النظام الانتخابي كان السبب الأكبر وراء هذا الصراع، فقد اعتمد نظام الفردي من نمط الصوت الواحد غير المتحول.
وأعتقد أننا نحن فقط في العالم من يستخدم هذا النوع من النظام الانتخابي للبلديات، بالإضافة لوجود كوته للنساء وأخرى لجرحي ثوار فبراير. كما أن نظام القانون ينص على أن البلدية التي يزيد عدد سكانها على ربع مليون نسمة يتكون من تسعة أعضاء والبلدية التي أقل بسبعة أعضاء .
إن النمط الانتخابي الفردي يأتي بمجموعة غير متناسقة ومختلفة الرؤى، وهذا يسبب صراعات وفشل في أداء الخدمات للمواطن.
من المقبول استخدام النظام الفردي نمط الصوت الواحد غير المتحول بالمجلس التشريعي لكن في البلديات يستخدم فقط في انتخاب العميد وليس في انتخاب أعضاء المجلس البلدي بالكامل.
أعتقد أن الأفضل لانتخابات المجالس البلدية هو نظام القائمة. وهنا لا أقصد القوائم الحزبية. يستطيع عدد من أبناء البلدية والذين تنطبق عليهم الشروط الانتخابية بوضع مشروع للبلدية وتقديمه للمواطن، والقائمة التي تستطيع أن تقنع الأكثرية هي من تقود البلدية لسنوات أربع؟ فهدا النظام يأتي بمجلس بلدي متجانس ومتفق مسبقا على رؤية موحدة للبلدية.
ورغم التجربة الليبية الأقل خبرة في مثل هكذا نوع، إلا أنها أوجدت تجربة ناجحة جدا. والحقيقة إنني فخور بها. فقد جاءت من شباب ليبي يصفه الكثيرون بأنه يفتقر إلى التجربة ولا يملك الخبرة.
في تجربة أخرى تفطن طلاب جامعة طرابلس لهذا الخلل في نظام الفردي نمط الصوت الواحد فتم استخدامه بأول انتخابات لاتحاد طلاب كلية الهندسة سنة 2012 وكانت النتائج مشابهة لانتخابات المجالس البلدية. إلا أنه تم تصحيحه بشكل سريع وتم تغيير النظام الانتخابي لانتخاب قوائم. وكل من يتابع عمل وإنجازات الاتحادات الطلابية سوف ينبهر بالشباب الليبي، فقد كان أكثر استيعابا للعملية الديمقراطية والاستفادة من الأخطاء السابقة وتصحيح مسار التحول الديمقراطي بالجامعات، بعكس من تصدروا المشهد التشريعي والتنفيذي بحجة أنهم أصحاب خبرة وتجربة.
وبعد إطلاعي عن تجربة الاتحادات الطلابية بجامعة طرابلس أستطيع القول أن مستقبل ليبيا سيكون أفضل بكثير من واقعنا الحالي وذلك بهمة هولاء.
عبد السلام الراجحي / كاتب ليبي
المصدر: موقع ليبيا الخبر