ذات يوم ونحن نتابع الهرج بقاعة الشهيد محمد الكيلاني بمبنى المؤتمر الوطني العام، من خلال تجمعات أعضاء المؤتمر مجموعات مجموعات، وبقيتهم يخاضون حادّ النقاش مع دكتيّ رئاسة المؤتمر الوطني الأمامية والخلفية على حدٍ سواء، كان فيها النصيب الأكبر للرئيس نوري بوسهمين، من مؤيديه ومعارضيه مجتمعين؛
الفريق الأول يحثه على الصمود ورفض مخرجات الصخيرات، إلا بتحقيق النقاط الخمس التي طالبوا بها، والفريق الثاني يتهم نوري الانفراد باتخاذ القرار، وتعطيل كل ما من شأنه السير قُدمًا لأجل إنجاز التوقيع على الاتفاق.
لم يكن من وصفٍ للباحة والقاعة في تلك اللحظة إلا بساحة نزال، اكتنفها نقع القادحات الصليلات، تلك المجموعات كانت تختلف مع بعضها بل وفي داخلها، لم يغب فيها الشد والجذب، والتوتر وبُح الأصوات، كل ذلك بسبب الشقاق حول ” الصخيرات ” فانقسم المؤتمر في عمومه لفريقين، واحد يؤيد الاتفاق ويرى بأنهم لن يحققوا أكثر مما حققوه، ويطالب بإجراء بعض التعديلات البسيطة، التي راها الفريق الثاني مُحسنات و” مكيجة” لمخرجات اتفاق سينهي المؤتمر ويتغول الطرف الأخر على الجانب التشريعي، ويطلق العنان للسلطة التنفيذية دون رقيب ولا حسيب .
بين تياري المؤتمر يقف فريق حوارنا، غير أنه الأقرب لمؤيدي الإتفاق، ويشترط تقديم أسماء مرشحين عن المؤتمر الوطني لشغل مناصب بالحكومة المقترحة، حتى يتسنى الذهاب والالتحاق بركب الصخيرات، ولم يخفِ فريقنا قلقه من مواجهة سفراء الدول المعنية بالحوار الليبي، وإن كانوا كُثر، أبرزهم السفير المصري، والتصدي لضغوطاتهم المزعجة، نعم سمعت هذا نصًا من فريق الحوار، وأصروا على عدم الذهاب لذات السبب، وتمسكوا بمطلبهم، وفعلا لم يذهبوا لتلك الجلسة، وحسب رأيي أعدها شجاعة لهم، أو لمن صدح منهم بها قولاً .
رأى بعض الأعضاء إسناد فريق الحوار من خلال إصدار بيان حمل توقيع 46 عضوًا، صدّروه بأنهم لم يتمكنوا من عقد جلسة لمناقشة موضوع الحوار — ولم يكن ذلك صحيحًا — فقد عُقدت الجلسة لكنهم لم يخرجوا فيها بنتيجة تحقق رؤيتهم، وفوّضوا بيانهم صالح المخزوم النائب الثاني لرئيس المؤتمر الوطني باتخاذ ما يراه من إجراءات في ظل الثوابت الوطنية، ومبادئ وأهداف ثورة فبراير، وفي نفس البيان تم ترشيح المخزوم لشغل منصب نائب رئيس الحكومة المقترحة عن الجنوب الليبي .
الموقعون على البيان اشترطوا بعض الاضافات للاتفاق السياسي، منها تعريف دقيق لكلمة الإرهاب، وعدم مقاضاة الثوار على مرحلة الثورة، وخلق توازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية .
في جلسة لاحقة سابقة لسفر الفريق للمغرب سألني عبد الرحمن السويحلي عن عدم توقيعي مع المجموعة على البيان، كنت حينها أقدر سؤاله واستغرابه، لأن الكثير من داخل المؤتمر وخارجه كانوا يحسبونني على حزب العدالة والبناء، أو من خلال مواقف سابقة بقاعة المؤتمر، وهكءا ظنوا، فقلت له لا لم أوقع ولن أوقع، والسبب أنني اتفق ومن عارض الاتفاق لذات الأسباب، وعندي سبب آخر يخص أهلي بمدينة درنة، لعله أثقل مما أبداه الزملاء المعارضين وهو وضع مدينة درنة، وأنها ستكون مدينة قصية مقصية، مذبذبة بين خياراتنا السياسية، وأن طموحات حفتر ستجعله ينفرد بها، وقد يتخلى عنها الآخرون ( هذا القول مسجل بمضابط جلسات المؤتمر الوطني، وكم أُسعدُ لو ينفيه عضوٌ واحدٌ من أعضاء المؤتمر، من معارضي الاتفاق ومؤيديه ) السويحلي رفض دفوعي وجعل من عدم السير بطريق الاتفاق مسألة تمهيد لتحقق مخاوفي وليس لتبديدها،لم يطل النقاش بيننا، فقد كان متمسكًا برؤيته تجاه الحل، وكنت متصلبا بوجهة نظري حيال الرفض، أكيد أننا لم نتفق، غادرنا وكل منا يظن بضحالة رؤية الأخر، حقيقة لم يطلب غيره مني أن أنضم لقائمة الموقعين لأنهم يعرفون موقفي حيال الاتفاق وهواجسي، أشير إلى أن السويحلي قد تختلف معه عن شئ، وله أن يصالحك وتصالحه فيه.
تلك المذكرة التي وقع عليها الأعضاء هدمت الجسر بين مؤيدي الاتفاق ومعارضيه، وعمّق الهوة مع رئاسة المؤتمر، وخاصة مع رئيسه نوري بوسهمين، ومهدت الطريق لتهلهل المؤتمر، بعد أن اتخذ متبنو الاتفاق من قصر الضيافة رقم 18 مقرًا لهم، والذي عُرف فيم بعد بقصر ” الصخيرات” وكان مهندسه وراعيه هو عبد الرحمن السويحلي، يتصدر المشهد بوضح النهار، ويجاهر به، وحسب وجهة نظري الشخصية، فإن اتفاق الصخيرات وولادة المجلس الأعلى للدولة لم يكن ليولدا لولا وجود السويحلي بصف المعارضة، وتحديدا بقمرة قيادتها والتخطيط له والتحريض لأجله،
لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، فقد التقيت أحمد معيتيق ( قبيل اختياره بالمجلس الرئاسي) بناءً على دعوة منه، وتناقشنا لساعتين متواصلتين، بحضور سفيرنا السابق بدولة الكويت محمد عميش، خضنا باتفاق الصخيرات ومخرجات الحوار، والقيت بمخاوفي علي الطاولة المستديرة التي جمعتنا، التقينا ببعض النقاط، واختلفنا حول أخرى، وعلقنا ثالثة بين رؤيتين، غادرت اللقاء وأنا اتخوف من الانفراد بمدينة درنة، نتيجة للوضع السياسي بالبلاد، وتأثير عامل الجغرافيا و العامل الولائي، وقد خالفني فيها معيتيق. وفي نفس الليلة التقيت عبد الرحمن السويحلي، وسلخنا من الليل سويعات، في ذات المواضيع، ما أسعدني بلقاء السويحلي، هو موافقته الخوف على مدينة درنة، وغادرت كما دخلت مكتبه.
الصخيرات والوفاق حديث طويل وشائك وليس بوسع المرء أن يختزلها بأسطر ولا بصفحات معدودات، فهو من أكبر التحولات في تاريخ فبراير، والفتيل الذي فجر عديد القضايا التي تحتاج منا النقاش والدراسة بموضوعية وحيادية، سواء كنا مؤيدين للاتفاق، أو معارضين له، وهى تجربة ومرحلة مازلنا فيها.
عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق
المصدر: موقع ليبيا الخبر